لا ريب في أن ذلك التنفيذ مؤلم جدا للخليفة ولأخيه يعقوب. وبما أن خروج الخليفة علنا على الحكم دليل على رفضه الأحكام التي ضد الزنادقة، كان من المنتظر أن يحرض الخليفة أتباعه سرا على إظهار سخطهم من ذلك الحكم القاسي، وهذا وقع فعلا؛ فقد وصلت الأوامر من يعقوب إلى رجال جميع القبائل الخاضعة له، وصدرت الأوامر من الخليفة إلى أتباعه المقربين بأن يظهروا جميعهم سخطهم العام وامتعاضهم من تنفيذ الحكم. وسبيل إظهار ذلك الشعور هو الامتناع عن حضور التنفيذ.
كان الخليفة في أي نزاع قائم بينه وبين خصومه يعتمد أولا وأخيرا على جنوده، فإن أولئك كافون جدا لإرغام أية قوة معارضة له في الداخل مهما كان شأنها، سواء أكانت هذه القوة في أم درمان ذاتها أم في أية ناحية أخرى من الجهات المجاورة؛ وإذن هو السيد المتسلط صاحب القوة التي لا تنازع في داخل السودان. أما إذا خرج الأمر عن الدائرة الداخلية، فهو عاجز عن صد جميع الغارات التي تبدو طلائعها من الخارج؛ فإن قواد جيشه ليسوا من القوة والدربة بحيث يستطيعون مهاجمة قوة خارجية هجوما يكفل لهم النصر على أعدائهم، كما أن رجال جيشه ليسوا من الولاء والوفاء - في آخر سني حكمه - بما كان يعتقده الخليفة في أول أيامه؛ ويرجع ذلك إلى انطفاء جذوة الحماسة الشديدة الأولى، وهم إلى جانب ذلك على قليل من الثقة أو الإيمان بالقضية التي يحاربون من أجلها، وأخطر من هذا وذلك تسرب الشك إلى رءوس المحاربين في قدرة الخليفة وأتباعه على مناوأة أية قوة خارجية ترمي إلى احتلال السودان.
يرغب القراء بطبيعة الحال، بعد أن اطلعوا على الكثير من تصرفات الخليفة الدينية والسياسية، أن يقفوا على ما لديه من القوى الحربية. ولئن كان من العسير ذكر تقدير دقيق عن رجال الحرب السودانيين ومعداتهم، فلا مانع من نشر بيان تقريبي عن الموجود لدى أولئك المحاربين.
قبل وأثناء عام 1895، تنقسم النواحي السودانية التي يشرف عليها الخليفة إلى أربعة أقسام رئيسية؛ هي على التتابع: أم درمان والرجاف والسودان الغربي والسودان الشرقي. وسنذكر فيما يلي عدد المحاربين ومقدار معداتهم في كل من الأقسام المذكورة:
القسم الأول:
يتولى إمرة الجيش فيها (أم درمان) أميران؛ هما عثمان شيخ الدين ويعقوب. أما أولهما فيتكون جيشه من أحد عشر ألف جندي من المشاة، في أيديهم أحد عشر ألف بندقية، ولكل بندقية ماسورة ملساء. ويتألف جيش الثاني (يعقوب) من أربعة آلاف من المشاة، وثلاثة آلاف وخمسمائة فارس، وخمسة وأربعين ألفا من حاملي الحراب والرماح، هذا إلى أن مخزن هذا الأمير يحتوي على 46 مدفعا وأربعة آلاف بندقية، كما توجد في مخازن جيش أم درمان ستة آلاف بندقية.
القسم الثاني:
أمير جيش الرجاف هو عرابي واد دفلة، الذي يأتمر بأمره أربعة آلاف وخمسمائة من حملة الحراب، وألف وثمانمائة من المشاة، وتوجد في مخزنه ثلاثة مدافع وألف وثمانمائة بندقية ملساء الماسورة.
القسم الثالث:
ينقسم «السودان الغربي» إلى الفاشر والأبيض وشاكا وبربر وأبي حمد؛ وللجهات الثلاث الأولى أمير واحد اسمه محمود - يعينه اثنان من أتباعه - تحت إمرته ستة آلاف من المشاة مثالا، وثلاثمائة وخمسون فارسا، وألفان وخمسمائة من حملة المزاريق والرماح، وفي مخزنه أربعة مدافع وستة آلاف بندقية. أما الناحية الرابعة (بربر) فتحت إمرة زكي عثمان، الذي يقود ألفا وستمائة من المشاة، وخمسمائة فارس، وألفا وثلاثمائة من حملة الرماح، وفي مخزنه ستة مدافع وألف وستمائة بندقية. وبذلك ننتهي إلى الناحية الخامسة (أبو حمد)، التي يقود جنودها الأمير نور عنو، وتحت إرشاد هذا الرئيس أربعمائة من المشاة، ومائة فارس، وسبعمائة من حاملي الرماح، وفي مخزنه أربعة مدافع وأربعمائة بندقية.
ناپیژندل شوی مخ