والطحاوي من الحنفية وحفاظ الحديث وكذلك "سنن أبي داود" ومن كتاب الجصاص الحنفي ومن مسند أبي بكر بن أبي شيبة الحافظ ومن مسند أبي بكر المقري وغيرهم كما ذكرناه أولا وكذلك أبو طالب في "شرح التجريد" أخذ من هذه الكتب المذكورة ومن "أصول الأحكام" مختصرة من "شرح التجريد" لم يرد على ما فيه من الأحاديث إلا ما حذف و"الشفا" مختصر من "شرح التجريد" ومن شرح القاضي زيد وشرح القاضي زيد مختصر من شرح أبي طالب وأخذ أيضا صاحب "الشفا" من "الانتصار" للإمام يحيى و"الانتصار" من هذه الكتب ومن كتاب مهذب الشافعي ومن "الفائق" للزمخشري في الغريب ومن "شرح الإبانة" ومن "مجموع" زيد بن علي ومن "أمالي" أحمد بن عيسى ومن غير ذلك هذا معلوم وإذا أن الأمر هكذا فجميع مارووه من الحديث عائد إلى كتب الحديث والحفاظ وفيه الصحيح والضعيف كما هو معلوم عند المصنفين لتلك الأصول إذ لم يجمعوا الصحيح فقط بل جمعوا الكل مما جاءهم وبينوا أسانيده ومنهم من قطعها كالمحتجين في كتب الفقه نحو مهذب الشافعي وغيره فكيف تصح دعوى انقلاب هذه الأصول التي علم فيها الضعف بمجرد نقل الزيدية لها إلى كتبهم إلى الصحة؟ هذا بعيد فإن النحاس الفاسد إذا دخل تحت مطرقة الحداد لا يخلصه الشبه والفساد فالضعيف ضعيف لا يفيد نقله من محل إلى محل وليس للزيدية في الحديث من المسندات إلا ما هو في الزهديات كما في "أمالي" المرشد بالله وأمالي أبي طالب ونحوها وكلها أسانيدها أسانيد سائر كتب الحديث ورجالها رجالهم فتراهم أخذوا نصبا عنهم وإن أسندوا ولذلك رووا أحاديث الشفاعة والقدر كما في أمالي المرشد بالله وصحيفة علي بن موسى الرضا ومجموع زيد بن علي الكبير وإن كان قد ذكر في أمالي أحمد بن عيسى أشياء من الأحاديث المسندة في الأحكام فهي قليلة لا تفي بجميع الأحكام الشرعية أصلا ولذلك اضطر أئمة الهدوية إلى الرواية والنقل عن غيرها كما أخذوا من الكتب المذكورة أولا عن أبي جعفر الطحاوي وغيره كما ذكرناه عنهم وكذلك جامع آل محمد فإنه قد يذكر اليسير مسندا والأكثر من الأخبار مقطوعا من كتب الحديث أيضا وهو كتاب جليل يجري على مذاهب السلف.
فإن قال صاحب الرسالة: إن في كتب الحديث ما هو صحيح وما هو ضعيف.
قلنا له: قد ذكرت الأسانيد والرواة ونقد الرجال وهذه المصنفات بين أيدينا في أحوال الرجال والتعديل والتجريح، فمن ظهر ضعفه حكم به وما صح عمل بحسبه كما هو الإنصاف وأما العرض فلا مانع منه ولا يوجب المحذور للعارف ولكن أنت تعرض ذلك على الكتاب العزيز وتحكم بعرض الكل على المحكم والمتشابه في القرآن وهذا ليس من الإنصاف في شيء أصلا بل الإنصاف العرض للمحكم على المحكم والمتشابه على المتشابه ليظهر وجه الحق إن شاء الله تعالى ويحصل الإنصاف والله الموفق.
ومما يتوجه التنبيه عليه هنا أنه لا ينبغي التجاري في ذم السلف الصالح من كبار الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة بمجرد ما يوجد من الأكاذيب في كتب المثالب التي وضعها الرافضة قال الإمام المهدي والإمام يحيى بن حمزة وغيرهما ذكروا أن فرقة من الرافضة تجيز الكذب لنصرة دينهم وقد رأيت كثير من الرافضة يتتبعون المثالب والمساوئ، ويطالعون لها الكتب الكبار والتواريخ والأسفار وليس همهم إلا السقوط على مثلبة مكذوبة أو عثره على جهة الخطأ فيبادرون إلى نقل ذلك وإذا رأوا المناقب الغامرة لذلك الكثيرة الطافحة دفنوها وأعرضوا عنها بالمرة ولا يلتفتون إليها فهذا لعمري ليس من الإنصاف بل هو جار مجرى ما قال الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وقال الآخر:
إن يعلموا الخير أخفوا وإن علموا ... شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا
وقال الآخر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا
مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
مخ ۵۷