قيل له: لكن روى ابن حجر في "المطالب العالية" بإسناده عن كعب بن ذهل الإيادي قال: سمعت أبا الدرداء يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتاني آت من ربي عز وجل فقال: { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } [النساء:110] قلت: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق ثم استغفر غفر له قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم الحديث فهذا دليل صريح يحمل تلك الرواية المتقدمة المسكوت فيها عن ذكر الاستغفار في حديث أبي ذر على هذه الرواية وقد أخرجه ابن مردويه والطبراني وقد ذكره السيوطي في تفسيره وكلهم ذكر الاستغفار فهذا هو الإنصاف بالنظر إلى الموافقة بين الأحاديث وجمعها لئلا يتنافى والمتشابه فيها كالمتشابه في القرآن فيحمل مطلقها على مقيدها وعامها على خاصها ونحو ذلك وليس من الإنصاف التكذيب لكل حديث فيه تشابه أصلا وقد أنصف السيد إبراهيم بن محمد الوزير صاحب "الفصول والهداية" في أول كتابه الذي كان شرع فيه في الحديث حيث قال ما لفظه الواجب قبول حديث كل راو من أي فرق الإسلام كان إذا عرف تحرزه في نقل الحديث وصدقه وأمانته وبعده عن الكذب وإن كان مبتدعا متأولا ورد كل راو عرف منه خلاف ذلك من غير تساهل في القبول ولا تعنت في الرد فأما قبوله بمجرد الموافقة في الاعتقاد ورده بمجرد المخالفة في الاعتقاد وتطلب المدح لغير الثقات وتكلف القدح في حق الأثبات فمن مزال الأقدام إلى آخر كلامه على أن حديث أبي ذر المذكور أولا قد ذكر في "أمالي" المرشد بالله و"أمالي" الموفق بالله بإسناده إلى الزهري إن ذلك كان قبل نزول الفرائض والحدود وذكر ابن حجر في فتح الباري عن الطبراني بإسناده فحينئذ لا حجة فيه لأنه كان منسوخا والله أعلم.
مخ ۴۸