أقول: هذا التناقض عنده لا يحكم على تناقضه عند غيره وإلا فإن أحكام الشريعة لا تناقض فيها قال الله تعالى: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } [النساء:82] وما صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يتناقض أصلا وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فالحديث الأول حديث أبي ذر له طرق كثيرة وفي معناه ما أخرجه السيد المرشد بالله في أماليه بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال أبو هريرة: وإن زنى وإن سرق. وأخرج المرشد بالله أيضا عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذره من إيمان ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير) انتهى.
وعلى قاعدة القاضي صاحب الرسالة هذا صحيح لا شك فيه؛ لأنه من رواية إمام أئمه الزيدية فالإنصاف الذي أخذ الله على المؤمنين القول به هو أن هذه الأخبار يحتمل تأويلها بأنها مطلقة مقيدة بالتوبة والاستغفار وقد جاء في ذلك أيضا حديث مفسر له وسيأتي إن شاء الله تعالى وذكر إمام السنة البخاري في صحيحه في باب لباس الثياب البيض ذلك الحديث وقال هذا حيث تاب فطالعه في الجزء الآخر تجده كذلك.
والحديث الذي بعده قد جاء في حديث آخر: (إن ما من ميت يموت من المسلمين إلا ويرى مقعده من الجنة والنار في قبره) فيحتمل أن المسلم يرى مقعده في النار حيث عصى ويراه حيث كان تائبا في الجنة فإن كان تائبا مستغفرا أدخل الله مكانه يهوديا أو نصرانيا.
إن قيل: إن التأويل بالتوبة في حديث أبي ذر خلاف الظاهر لأن أبا ذر لا يراجع في الأمر الظاهر إذ لا يخفى عليه أن الله يتوب على التائب.
مخ ۴۷