العرض في هاتين الآيتين يبلغ ذروة الإعجاز؛ فقد يسأل سائل: كيف لا تؤمن بلقيس حين ترى عرشها، وترى نفسها منقولة إليه قبل أن يرتد إليه طرفه، ثم تؤمن لمجرد أن ترى صرحا مقاما من قوارير؟ ولو كان الراوي بشرا، لقال عن وقوع المعجزة الأولى، وخيل لبلقيس أن ما تراه ما هو إلا من عمل السحر، فهي تأبى أن تؤمن أو تتأكد أن هذا الذي تراه إنما هو معجزة إلهية، سخر لها الجن والطير. وقد يقول القصاص البشري: إن الملكة وهي ملكة، أبت أن تخدع في المظاهر، منذ الوهلة الأولى، فهي تصر على كفرها وتأبى أن تتزحزح عن دينها بسهولة ويسر، وقد يقول القصاص البشري: إنها حين رأت الصرح عاودتها طبيعة المرأة، فأخذت بهذا البناء الشاهق الضخم. وقد يقول: إن الملكة قد كبر عليها أن تحسب هذه القوارير لجة من ماء، فهي تكشف عن ساقيها خشية أن يمس الماء ثيابها، فحين عرفت أنها إنما تمشي على قوارير من زجاج، آمنت لأن الذي يصنع هذا لا يستطيع أن يتقنه إلا أن يكون الله قد سخر له ما لم يسخره لغيره من قوى لا حدود لها، فآمنت.
هكذا قد يقول القصاص من البشر. إنما القرآن الكريم يلوح به تلويحا، ويشير إليه إشارة معجزة قادرة صانعة فيصبح كل حديث بعد ذلك عبثا من العبث. ونمضي مع سليمان منتقلين إلى سورة أخرى فنرى ذلك الإعجاز الضخم:
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر
6
ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ
7
منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير .
يعملون له ما يشاء من محاريب
8
وتماثيل
ناپیژندل شوی مخ