آمن السحرة؛ فهم أبناء صنعة، ويعرفون الزيف من الحقيقة. والذي رأوه ليس سحرا، وإنما هو معجزة، فماذا إذن يصنع فرعون، وما تراه يقول؟
قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى * قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا (سورة طه: من آية 71-72).
وهكذا تبلغ المأساة قمتها؛ فالسحرة هم الشعب كفروا بفرعون وآمنوا بربهم رب العالمين.
فرعون غاضب ساخط يهدد ويتوعد، ولكن المؤمنين يسخرون منه. إنك لا تملك إن كنت تملك إلا هذه الحياة الدنيا، وهي دنيا هانت. أما نحن الذين رأينا ما رأينا فلن نخذل إيماننا أبدا. كل هذا نسمعه في حوار سماوي معجز، الجملة فيه تحمل ألف معنى وألف نبض وشحنة من القوة لا يطيق أن يبثها فيها إلا رب العالمين .. وتتدخل السماء في هذا الصراع.
ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا
10
ولا تخشى * فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم
صدق الله العظيم (سورة طه: آية 77-78).
وسبحانه الله تعالت معجزاته! في آيتين اثنتين روى انشقاق البحر لموسى وأتباعه من عباد الله .. ونرى كيف طغى اليم على جنود فرعون فانقضى أمرهم. هذه المعجزة التي ظلت حتى يومنا هذا وحيا للفن التشكيلي المتحرك والثابت، وإلهاما للفن الأدبي في كل بقاع العالم يقدمها القرآن في آيتين اثنتين لا تتجاوزان معا الخمس والعشرين كلمة. هذه الواقعة لو أمسك بها قصاص من البشر لجعل منها رواية بأكملها، ولكنها السماء ترسل تنزيلا معجزا تنزه عن الثرثرة، وسما عن التزيد، وإنما هو قرآن أحكمت آياته، فكانت معجزات تصغر دونها المعجزات، وسبحانه رب العالمين! •••
القصة البوليسية فيما تعارف عليه الناس هي القصة التي تصنع للتسلية وإزجاء الوقت ثم لا شيء بعد هذا؛ فلا هي تحمل في طواياها معنى آخر، ولا هي تهدف إلى فكرة أو هدف، شأن رواية الفكرة التي يسميها الفرنسيون رومان آتيز أو الرواية ذات الرسالة؛ أي الرواية التي يقصد بتأليفها إثبات فكرة معينة. الرواية البوليسية بعيدة عن هذا جميعه كل البعد. ولكنها في نفس الوقت أمتع أنواع الروايات؛ فهي تلقف القارئ لا تتركه أو ينتهي منها. والرواية البوليسية تعتمد في بنائها على الغموض. حدث معين يدعو إلى الدهشة أو الانبهار، ثم تمضي الرواية بقارئها وهو يضع التفسيرات لهذا الحدث، وينشئها في ذهنه، وتتغير هذه التفسيرات مع كل منعطف للسرد. ولا يزال القارئ بين اقتناع بما وصل إليه ظنه وانصراف عنه، حتى تنتهي الرواية إلى تفسير قد يكون بعيدا كل البعد عما أنشأه هو في نفسه.
ناپیژندل شوی مخ