فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين (سورة القصص: آية 36).
وننتقل إلى سورة أخرى تروي ما كان من أمر موسى وأمر فرعون. وفيها نرى الإعجاز الدرامي للصراع بين الحق والباطل، بين الملك الأرضي الهين وبين الإيمان العظيم بمالك الكون ومن عليه.
ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى * قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى * فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى * قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى (سورة طه: من آية 56-59).
أرأيت التمهيد الرائع لهذه المباراة؟ إن الكافرين يكيدون، وإن موسى ليقبل التحدي ويضرب لهم الموعد، كم أنت مشوق أن تعرف النتيجة وإن كنت تعرفها! نعم .. فإن الإنسان يحب أن يسمع الخبر الذي يحبه مرات ومرات ولا تمل نفسه منه. ومع أننا نعرف ما كان من أمر موسى والسحرة، إلا أننا نحب أن نقرأ كيف تم هذا. ونقرؤه ونقرؤه ولا نمل قراءته حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس
9
في نفسه خيفة موسى (سورة طه: من آية 65-67).
أرأيت هنا الصراع النفسي؟ إنه نبي بشر .. لقد خاف، مع أنه مؤيد من ربه، ولكن النفس الإنسانية لا تستطيع أن تتخلص من ضعفها أبدا. وهل تراك لاحظت تركيب الآية الأخيرة: فأوجس في نفسه خيفة موسى. أترى أين جاء اسم موسى؟ إعجاز فني في التركيب اللغوي والتركيب القصصي، بل وفي التركيب النفسي، فإن التوجس هنا هو المهم؛ ولذلك تقدمت الجملة جميعها، ثم جاء اسم موسى في آخرها.
قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى * فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى (سورة طه: من آية 68-70).
إيجاز لا شبيه له. قلنا ألق ما في يمينك، فألقي السحرة سجدا. لم يجد القرآن داعيا أن يقول إن موسى عليه السلام ألقى، وإن ما وعده الله به تحقق. فهذه جميعا بديهيات لا تحتاج إلى إعادة ذكرها؛ فما دام الله وعده فهو منجز وعده لا محالة.
ناپیژندل شوی مخ