113- وبعد أ، وقعت لي هذه الحادثة , وجاءتني النفقة من بلدي حلب, @ حدثت بها شيخنا الإمام محمد زاهد الكوثري وكيل شيخ الإسلام في الدولة العثمانية , المهاجر بدينه من تركيا إلي القاهرة والمتوفي بها سنة 1371 رحمه الله تعالي, للاستمتاع بالخبر وطرافته, فحدثني تطييبا لنفسي بما وقع له من ذلك, فكان أغرب وأعجب, فأنا أسجل ما سمعته منه بعد أكثر من عشرين سنه من سماعه , فأكتب ما بقي في ذهني.
قال رحمه الله تعالي: لما أقمت بدمشق, وعكفت علي المكتبة الظاهرية أطالع في أسفارها قرابة سنة ونزلت أول الأمر في الفندق ,فلما قلت نفقتي نزلت في غرفة متواضعة علي سطح ,استأجرتها مشتركة بيني وبين إنسان آخر غريب من تركيا, ثم إني أملقت بالمرة ,فكان صاحبي في الغرفة _علي فقره _يواسيني بما لديه من نفقة قليلة نشترك فيها طعاما وشرابا, ثم أمبق هو مثلي, وغاب يسعي في الرزق. وأصبحت علي جوع شديد , ولم يبق لدي درهم آكل به.
فذهبت صبيحة اليوم الأول من حالي هذه إلي الظاهرية كعادتي, ولكن دون طعام, ثم عدت إلي الغرفة, ثم أصبحت علي ما نمت عليه من الجوع , وذهبت إلي الظاهرية , وعدت منها في جوع شديد, وجلست في غرفتي إلي الغد ثم ذهبت إلي الظاهرية في اليوم الثالث علي اشتداد الجوع بي, إذ وجدت جلوسي في الغرفة يزيد ألم الجوع علي , فالاشتغال بالعلم ربما يخفف بعض الشيء؟!
ولما عدت إلي الغرفة بعد الظهر, مررت بسمسان الحي الذي أودعت عنده عنواني للمراسلة, فأخبرني أن ساعي البريد جاء إلي ومعه رسالة مسجلة لا تسلم إلا بيدي, فذهبت إلي البريد علي سغبي وجوعي وتهالك قوتي, فإذا هي رسالة من الشيخ رشيد الحواصلي الدمشقي, أرسلها لي من إصطنبول إلي القاهرة منذ أكثر من أربعة أشهر , ومعها حوالة لي بثلاثة جنيهات ذهبية.
مخ ۹۰