(1) اذكر واقعتى هذه على استحياء من العلماء الذين دونت بعض اخبارهم فى هذه الصفحات فان واقعتى ليست بشيء فى جنب ما وقع لهم رحمهم الله واثابهم ورضى عنهم @ _ خدم المطعم _, استئناسا منهم بمظهري العلمي الشامي , وكل منهم يبدي الاهتمام بي بغية إكرامه بشيء.
ولما جلست للطعام تظاهرت بالمرض ووأنه لا يواتيني من الطعام سوي الحساء (الشوربة) مع الخبز , وهو أرخص طعام في ذلك المطعم. ثم خرجت من المطعم علي بقية جوع حسنة , وبقي لدي عشرة قروش , وما أن وصلت إلي غرفتي التي أسكنها واستقررت فيها , حتى أرسلت جارة لي ولدها تقترض مني خمسة قروش , فأقرضتها , وبقي لدي خمسة قروش , ونمت كما أنا دون أن آكل شيئا , علي أمل أن أفطر فولا في الغد صباح الجمعة , فيقوتني إلي آخر النهار, ويبقي من القروش بقية.
فلما أصبحت ظهرت إلي ساحة السطح الذي كانت غرفتي عليه , فإذا زميل لي من الطلبة السوريين الفقراء, كان يسكن علي سطح يبعد عني نحو خمسين مترا ,فأشار إلي هل لديك فلوس؟ فأشرت إليه: ليس لدي سوي خمسة قروش فأشار أنه يريد الفلوس للفطور, فقلت بالإشارة: وأنا أريد الفطور أيضا , فأنا أرميها لك ,فاشتر بها فولا وخبزا لفطورنا جميعا , وتعال به إلي , ثم رميت له بقطعة خمسة قروش , علي اعتدادي أنه فهم مني وأن الفطور سيأتي قريبا وأفطر.
ثم عدت إلي غرفتي وانتظرت ثم انتظرت , ثم انتظرت فلم يأت أحد وقاربت صلاة الجمعة فذهبت إلي الصلاة , ثم عدت وبقيت دون طعام إلي صبح يوم السبت ,فذهبت إلي الكلية وعلائم الجوع والتأثير بادية علي وجهي ,فقال لي بعض زملائي الحمويين: ما بك؟ قلت: لا شيء ,قال: لابد ,فاني أري وجهك ذاويا متغيرا فأخبرني , وأصر علي بإخباره ,فأخبرته بجوعي منذ يومين , فأخذني لمنزله وأضافني أكرمه الله , وأقرضني من نفقته حتى جاءت نفقتي , وأوسع الله علي وذهبت الفاقة.
مخ ۸۹