يريد الشاعر أن يقول للناس إنه لا يستفسر شعره بينهم، ولا يزيع به لتحله الأجيال، وإن قصاراه فيه أن يكون وليد هيامه، وهذا لعمري شأن الشاعر الذي ينظر إلى روحه بعين روحه، ويعلم حق العلم أن رضى الإنسان عنه حقيقة تنفر منها أذواق البشر، ولكنها أصدق الحقائق.
لا يزال الأستاذ «تقي الدين» في الخامسة والعشرين من عمره يرى المستقبل الجميل يبسم له في شفق أحلامه وأمانيه ... أخذ الله بيده وحقق أمانيه وأحلامه.
فؤاد حبيش
مقبل العمر، ربعة القامة، منتصبها، أسود المقلتين، منفرج الجبين، أسمر البشرة في حمرة شفافة الأديم، منفتل الأعضاء صليبها.
يدف في سيره دفيف الطائر، فلا توشك رجله أن تلمس الأرض حتى تنبو عنها، كأنما الأرض من تحته أسلاك من الكهرباء، أو كأنه يرى الجماهير من حوله أثقالا تزعجه في طريقه؛ فيمشي فيها مشية المخف الذي ليس لطبعه الدقيق صبر على الناس.
تحسر من قبعته صيفا وشتاء، ولو قدر له أن يتكشف من جميع ثيابه لفعل، فهو يذهب مذهب العراة ويأخذ بآرائهم؛ اعتقادا منه أن مذهبهم هذا إنما هو المذهب الصحي المهذب.
لا يعدل بمذهبه الجديد مذهبا على الإطلاق، ولا يريد أن يجاوز مبدأه إلى غيره، فهو يدعي له الإصلاح، ويلجأ إلى الحجة في ما يدعي، والويل لمن يناقضه شهوته فيه؛ فإنه ليضمر وراء شفتيه لسانا جموحا ضرسته ألوان الجدل.
قال «علي بن أبي طالب»: «إن الناس رجلان: متبع شرعة، ومبتدع بدعة.» والشيخ «فؤاد» هو الرجل الأول؛ إذ إنه لم يبتدع مذهب العري بل اتبعه، فما كتابه «رسول العري» - الذي أوقع الواقعة عند صدوره - إلا بوق من أبواق الغرب تكلم فيه برجع قول قد قاله بعض أدباء الغرب من قبله، إلا أن القول هذا في بلاد تخزن أخلاقها وعاداتها وتتمسك بمبادئها ونزعاتها هبط به على مستوى الرجل الثاني، فهو إذن متبع شرعة ومبتدع بدعة في آن واحد.
أما أنا فلا أتحيز للكاتب «حبيش» في ميوله ولا أناقضه إياها، فقد يكون مدعوا فيها إلى أمر واضح صحيح، وقد لا يكون، إلا أني أحب ستر عورة الإنسان ولو نقص في جسمه، ولو أتيح لي ستر عورة الوجه البشري لأقدمت عليه، فكم في الناس من أعوروا أخلاقهم على وجوههم، فهم في حاجة معها إلى ستار كثيف ...
يخبط العشواء في بعض أفكار يبنيها على دعائم مشبوهة، فهو يلوي بها لسانه في وجود الخالق، ويزعم أن البشر إنما هم تريكة الصدف، والويل لمن يقرعه بالحجة وينهنهه عن زعمه.
ناپیژندل شوی مخ