وكان ليون والفيروزة يسمعان الحديث، فتظاهرت الفيروزة بالسرور وطوقت ليون بذراعيها وهي تقول: إني سأتزود منك ساعتين.
فأطرق ليون، وقد أخذت تلك العواطف الفاسدة تتغلب على فؤاده، فمسكت الفيروزة بيده وصعدت به إلى الدور الأول يتقدمهما صاحب الفندق وهو خادم الأرملة، وأعد لهما غرفة خاصة وأمرته الفيروزة أن يحضر لهما ما يأكلان ويشربان، فخرج مسرعا وعاد يحمل طعاما باردا وزجاجة مختومة من الخمر، فوضع الطعام على مائدة وأخذ يفض ختم الزجاجة، وهو يشير بطرف خفي إلى الفيروزة، فعلمت أن في الزجاجة مخدرا أخبرها عنه روكامبول.
وهذا المخدر الغريب في بابه، أحضره معه أندريا حين كان في البلاد الأميركية، وهو مسحوق نبات يمزج بالشراب فلا يغير طعمه ولونه ورائحته، فإذا شربه المرء تخدرت حواسه جميعها ما عدا حاسة السمع، بحيث يسمع جميع ما يقال أمامه دون أن يرى أو يستطيع حراكا مدة يوم كامل.
فلما أتم الخادم فتح الزجاجة، وضعها على المائدة وخرج، فأخذتها الفيروزة وصبت منها في كأسين وجعلت تنادم ليون وتشاغله عن امرأته وولده بأطيب الحديث، وتذكر له ما ستلقاه من لواعج الوجد بعد فراقه، ثم سقته ما بالكأس فشربه جرعة واحدة، وأدنت كأسها من فمها ثم أرجعته نافرة منه ورمته مدعية أنها وجدت فيه ذبابة، واستدعت صاحب الفندق فأمرته أن يحضر لهما زجاجة غيرها، فلما أحضرها جعلت تشاركه بشربها لخلوها من المخدرات.
وما مضى على ذلك هنيهة حتى أحس ليون بفتور في جميع أعضائه، ثم تثاقلت عيناه فجعل يتثاءب تثاؤبا شديدا، وهي تتظاهر بالانذهال من نعاسه حتى أطبق جفنيه وسقط لا يعي، فأسرعت إلى نداء صاحب الفندق وأحد خدامه، وقالت لهما وهي تعلم تأثير المخدر وأنه يسمع جميع ما تقول: احملا الزوج العزيز إلى سرير، واحذرا من أن تزعجاه فإنه منذ يومين لم ينم.
فحملاه ووضعاه على السرير، فأخذت كرسيا وجلست بإزائه وجعلت تناغيه بألطف الأصوات وتودعه بأرق العبارات، كأنها تحاول أن تسافر وتتركه نائما كي تهرب، فكان يسمع كل ما تقول لكنه لا يستطيع أن يبدي حركة لتأثير هذا المخدر القوي.
وفيما هما على ذلك إذ سمع من خارج الغرفة صوت رجل شديد يسأل صاحب الفندق بلهجة السيادة، فيقول: ألم تمر بك مركبات في هذه الليلة؟ - نعم، لقد مرت بنا مركبتان إحداهما لرجل إنكليزي، وقد استراح هنيهة وسافر، والثانية لرجل وسيدة وهما بائتان عندنا في هذه الليلة.
فصاح هذا الرجل صيحة فرح، ثم استتلاها بالشتائم والسباب وقال: إن جهنم قد بعثت بي إلى هذا المكان لأعاقب الخائنين.
أما الفيروزة فإنها أجفلت حين سماعها هذا الصوت وقالت: يا ويلتاه! إنه يطاردني فما عساه به وبي يصنع؟
وكان ليون رولاند سامعا فخاف خوف الفتاة وأفظع؛ إذ لا يطيق الدفاع وهو كما علمت لا صاحيا ولا يهجع.
ناپیژندل شوی مخ