أما صاحب الصوت فإنه استدل من صاحب الفندق على الغرفة التي يقيم الرجل والمرأة، فركض إليها مسرعا ورفس بابها برجله فانكسر الباب، وخرج منه دوي شديد، ودخل الرجل حتى إذا رأى الفيروزة هجم عليها وقبض على شعرها وهو يقول: أين المفر الآن وأنت في يدي؟
فركعت الفيروزة وقالت: رحماك! أشفق علي. - لا رحمة ولا إشفاق، فلا بد من قتلك وقتل هذا الرجل الذي تخونيني من أجله. - رحماك، وإذا لم ترد الإبقاء علي، فأبق عليه. - كلا، بل تموتين وإياه.
ثم هجم كأنه يريد قتل ليون، وهو يقول: سيسيل دمه على يديك، ثم تموتين بعده شر موت.
غير أن الفيروزة حالت بينه وبين ليون كأنها تريد الدفاع عنه أو الموت قبله، وجعلت تستعطفه وتتملقه، فلا يزيد إلا عتوا. كل ذلك وليون سامع جميع الحديث، ولا يستطيع أن يبدي حراكا كالنائم يصاب بالكابوس، ولكنه كان ينتظر الموت في كل لحظة.
وكان هذا الرجل قد لان فؤاده لاستعطاف الفيروزة، لا سيما حين قالت له: إني أتبعك حيث تشاء، وأحبك حبا أكيدا إذا أبقيت على هذا الرجل إذ لا ذنب له. - أتقسمين على ذلك؟ - أقسم لك بإله السماء والأرض أني أكون لك أتبع من ظلك وأطوع من بنانك، بشرط أن لا تتعرض له بأذى. - إذن هيا بنا نعود إلى منزلك في باريس، والويل لك إذا خطرت لك الخيانة في بال أو حنثت باليمين.
ثم أخذها بيدها، وخرجا من تلك الغرفة إلى قاعة الفندق في الدور الأول.
40
ولم يكن هذا الرجل سوى روكامبول، وقد اتفق مع الفيروزة على تمثيل هذه الرواية التي وضعها أندريا، فلما باتا وحدهما في القاعة، قال لها روكامبول: الحق أنك لو كنت ممثلة على المسارح، لكنت الآن من أشهر الممثلات.
فسرت الفيروزة من هذا الثناء وقالت: الآن ألا تخبرني بحقيقة هذا الدور الذي مثلناه، فإني لا أفهم منه شيئا، بل كنت فيه شبيها بالآلة الصماء. - ولكني لا أستطيع أن أخبرك شيئا، لأني أنا نفسي مثلك يديرنا رئيسنا الحاضر. - وما لديك من الأوامر الآن؟ - ينبغي أن تذهبي في الحال إلى باريس وتقيمين في منزلك بانتظار الرئيس. - ألا تعود معي؟ - لا، فإن مهمتي لم تنته بعد.
وعند ذلك خرج فأعد المركبة وعاد فأخذها إليها، وسارت بها تنهب الأرض عائدة إلى باريس، فلما بلغت إلى منزلها علمت أن فرناند قد زارها مبكرا وأنه خرج من منزلها منذ ربع ساعة فقط، ثم أعطاها أحد الخدم رسالة من أندريا يأمرها فيها أن لا تخرج من المنزل، وأن تنام إلى أن يأتي عند الغروب فيوقظها ويباحثها بشئون خطيرة، فنامت وقد أنهكها التعب إلى أن حان الأجل المضروب، ففتحت عينيها ورأت أمامها أندريا وهو يقول: كفاك نوما وهيا بنا نتحادث.
ناپیژندل شوی مخ