294

روکامبول

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

ژانرونه

وكأن المركيز قد ذكر اليمين التي حلفها، أو هاله ابتسام ابنة عمه للموت وذكرها للبرهان، فرمى الخنجر إلى الأرض وقال وهو يوشك أن يتميز من الغيظ: إذن هاتي برهانك، واعلمي أنه إذا كان كلامك حقا فلست أنت التي تموتين بل هي، وليست هي التي تكون امرأتي بل أنت. - أحق ما تقول؟ - نعم، فأسرعي بالبرهان. - إذن فأصغ إلي، إنك تعلم أن حياتي بيدك الآن، وأني لم يبق لي في هذه الحياة غير سبعة أيام، فإذا لم تجد منذ اليوم إلى اليوم السابع رجلا جاثيا أمام امرأتك يغازلها في منزل غير منزلك، فأبق هذا الخاتم في يدك ودعني أموت. - أتبرهنين لي أيضا على أنها خائنة؟ - نعم، على شرط أن تطيعني كما أقسمت. - إني لا أرجع بقسمي. - إذن فاذكر أنك رجل، وأنه ينبغي على الرجل العاقل عند المصيبة أن يدفن حزنه في أعماق قلبه، وأن يكتم ما يجول في ضميره ولا يظهر سره بين ثنايا وجهه حتى يعثر على البرهان الذي يخرجه من موقفه؛ كي لا يفسح لعدوه مجال الحذر ويصبح مضغة في الأفواه، فإذا عرفت هذا فاذهب الآن إلى منزلك وكن مع امرأتك على ما عودتها، دون أن تبدر منك بادرة تدل على الريبة إلى أن أسلمك هذين المذنبين.

فوقع هذا الكلام وقع الصاعقة على رأس المركيز؛ لأن ابنة عمه كانت تتكلم بلهجة الواثقة المطمئنة وقال: ألا تذكرين لي اسم هذا الرجل؟ - كلا، لم يحن الوقت بعد، ولكني أرد إليك هذا الخنجر الذي كنت تحاول قتلي به، كي تغمده في صدر من خانتك لا في صدري.

ثم أخذت الخنجر عن الأرض وأعطته إياه وهي تقول: اذهب بسلام، وكن حكيما واعمل بما أوصيتك.

فأخذ الخنجر من يدها وقال: سأطيعك فيما تريدين، ولكن اعلمي أن هذا الخنجر لا بد له أن يدفن في قلب واحدة منكما، فإما أن يغمد في صدر النمامة الكاذبة، أو يخترق قلب الخادعة الخائنة.

ثم انصرف يمشي لاضطرابه مشية السكران، فشيعته ابنة عمه إلى الباب وبقيت تودعه بالنظر إلى أن غاب عن عينيها، فعادت إلى روكامبول الذي كان ينتظر في القاعة على أحر من جمر الغضا، فقال لها: أمضى؟ - نعم، لقد ذهب واليأس ملء فؤاده، وهو واثق من خيانة امرأته، ولكنه يطلب البرهان.

فأجابها روكامبول ببرود: إنه سيرى خيانة امرأته بالعين. - أواثق أنت مما تقول؟ لأن بهذا البرهان تتعلق حياتي. - إني واثق ملء الثقة، فإن ثروتنا متوقفة أيضا عليه. - ولكنك تجهل أمرا، وهو إذا وجد امرأته برئية فإني مائتة لا محالة. - كيف ذلك؟ - أولا إنه يقتلني. - وإذا منعناه عن قتلك، فكيف تموتين وأنت لم تشربي السم به؟ - ذلك لأني سأشربه. - وأية فائدة من شربه؟ - إن الحجر الأزرق الذي يشفي شارب السم يقتل مذوبه من لم يشربه، فإذا أراد أن يشفيني بعد سبعة أيام وسقاني محلول الحجر الذي في يده، ولم أكن قد شربت السم فإني أموت، وإذا كنت قد شربته فإني أشفى، وفي كل حال لقد عولت متى يئست من الزواج به على الموت. - اطمئني، فإنك ستتزوجين به.

فأخرجت الهندية عند ذلك زجاجة السم من صدرها وشربت ما فيها دفعة واحدة، ثم وضعتها بسكينة على المنضدة وقالت: لا يحييني الآن إلا حجره الأزرق.

فقال روكامبول وقد كان يثق ثقة عمياء بقريحة أستاذه: قلت لك اطمئني، فستكوني زوجة المركيز.

27

ولنعد الآن إلى باكارا، فإنها بعد أن اشترت من الفيروزة منزلها القديم وأطلقت سراحها، بقيت وحدها في المنزل، كان أول ما فعلته أنها طردت جميع من كان فيه من الخدم، ولكنها أبقت خادمة غرفة الفيروزة، وهى تؤمل أن تعلم منها شيئا من أسرار سيدتها، إلا أن أندريا كان يتوقع حدوث جميع ما مر من الحوادث، فأحضر للفيروزة خادمة جديدة، فلما سألتها باكارا عن سيدتها القديمة أخبرتها جميع ما حدث بالأمس بينها وبين فرناند، وكيف أنها لبست بعد ذهابه لباس العاملات ، وعزمت على مبارحة القصر والإقامة في غرفة صغيرة تعيش فيها من كسب أيديها، فلم تستفد منها باكارا شيئا، ولكنها أبقتها في عملها وقالت لها: سيحضر غدا فرناند، فمتى حضر أدخليه إلى قاعة الاستقبال، ولا تذكري له شيئا من أمري.

ناپیژندل شوی مخ