249

روکامبول

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

ژانرونه

فسر الكونت غاية السرور وقال: الآن قد وثقت من كشف الستر عن هذه الجمعية الهائلة.

وفيما هم على ذلك فتح الباب، ودخلت منه امرأة لابسة ملابس سوداء كما تلبس الراهبات، ولم تكن هذه المرأة بل تلك الفتاة غير التى عرفها قراء روايتنا السابقة باسم باكارا، وقد مات كل شيء من تلك الفتاة التي كانت من أشد بنات الهوى غدرا، ولم يبق فيها حيا غير جمالها النادر الذي لا يقيدها بشيء، وقد استبدلت اسمها القديم باسم الأخت لويزا، على أننا نستسمح القراء ونبقي لها اسمها، فتبدو لهم بذلك الحال الغريب الذي كانت تسعى أن تخفيه بالملابس الضخمة، ولكن الوردة لا يستر جمالها ما يحيط بها من الشوك، غير أن هذه الفتاة التي عرفت أسرار الهوى، ثم تابت بعد أن حبسها أندريا في مستشفى المجانين لم تبق من مظاهر التجمل غير ذلك الشعر المنسدل على كتفيها كالأراقم السوداء.

ولما دخلت باكارا هشت إليها مدام دي كركاز ومدت لها يدها للسلام، فظهرت على وجهها علائم الخجل، كما بدت هذه العلائم على وجه أندريا. فقام أرمان وأمسك بيدي باكارا وأخيه وخاطبهما قائلا: لقد كنتما شيطانين على الأرض تتعاونان على الشر، فأصبحتما بعد توبتكما ملاكين، فتعاونا الآن على الخير.

ثم وضع يد باكارا بيد أخيه، فنظرت باكارا إلى أندريا وهي تقول في نفسها: لقد خدع أرمان وخدعت امرأة أرمان؛ فإن مثل هذا القلب لا تصل إليه التوبة.

3

بينما هذه الحوادث تجري في بيت أرمان كانت حادثة أخرى تجري بعد ساعة في شارع آخر.

وكان الليل حالك الأديم، والضباب كثيفا، حتى إن المار بذلك الشارع لم يكن يستطيع أن يهتدي لسبيله على كثرة أنوار الغاز؛ لشدة عصف الهواء الذي كان يهب على تلك الأنوار فيقبض ألسنتها من حين إلى آخر. وكان في عطفة من ذلك الشارع بيت كبير حسن الظاهر، فلما انتصف الليل كثر طرق باب هذا البيت ودخل إليه خمسة رجال الواحد بعد الآخر، فكان الداخل منهم يدخل من الباب العام فيسير عدة خطوات في دهليز طويل حتى يبلغ إلى باب سري في حائط الدهليز، فيطرقه ثلاث مرات متوازنة، فيجيبه صوت من الداخل قائلا: أين تذهب، ألعلك أتيت لتسرق خمري؟

فيجيبه الطارق من الخارج: كلا، فإن الحب صالح (وهي جملة مصطلح عليها بينهم).

فيفتح الباب عند ذلك، ويدخل الزائر ويجد بصيصا من النور ينبعث من مصباح ضعيف، ويرى أمامه سلما طويلة، ولكنها غير ذاهبة صعدا كالسلالم المألوفة، بل إنها كانت تخترق جوف الأرض، فينزل منها الزائر حتى يصل إلى غرفة متسعة رصفت بها براميل الخمر بعضها فوق بعض، وفي صدر هذه الغرفة منضدة حولها خمسة كراسي مصفوفة، ويرى جالسا على المنضدة شابا جميل الطلعة، لا يتجاوز عمره الثامنة عشرة، وأشعة الذكاء تتوقد من عينيه، فيحيي هذا الغلام تحية المرءوس، ثم يجلس في مكانه من القاعة.

وكان عدد الحضور خمسة ما عدا الرئيس، فكان أحدهم حسن الملابس، وفي عروة ثوبه إشارة تدل على أنه من أصحاب الوسامات، والثاني يناهز الثلاثين، والثالث شيخ عجوز تبدو عليه مظاهر القوة، والرابع غلام يبلغ سن الرئيس، والخامس شاب تدل هيئته على أنه من خدم البيوت الكبيرة.

ناپیژندل شوی مخ