وبعد أن بينت أسس الدولة وحقها (في السيادة)، يسهل الآن تعريف القانون المدني الخاص،
14
وانتهاك القانون، والعدل والظلم في حالة المجتمع المنظم، ثم ما هو الحليف والعدو، وأخيرا جريمة الطعن في السيادة. فالقانون المدني الخاص لا يمكن أن يعني في رأينا إلا حرية الفرد في المحافظة على حالته، كما حددتها وضمنتها له مراسيم السلطة العليا. فبعد أن يفوض كل فرد إلى شخص آخر حقه في أن يعيش وفقا لرغباته الخاصة، أي حريته في المحافظة على وجوده وقدرته على ذلك، وهو حق لم يكن له من حدود سوى قدرته، فإنه يصبح ملزما بأن يحيا وفقا للطريقة التي يفرضها عليه هذا الشخص، وبألا يعتمد في المحافظة على ذاته إلا على حمايته.
وينتهك القانون عندما يعمد شخص ما لأن يلحق الضرر بأحد المواطنين أو الرعايا ضاربا بالقانون المدني عرض الحائط أي رافضا أوامر الحاكم، ولا يمكن تصور انتهاك القانون إلا في مجتمع منظم، ولكن الحاكم الذي يبيح له القانون أن يفعل ما يشاء، لا يمكنه أن ينتهك حق الرعية. وعلى ذلك فإن انتهاك الحقوق لا يمكن أن يحدث داخل الدولة إلا بين الأفراد الذين يحرم عليهم القانون أن يضر أحدهم الآخر.
أما العدل فهو استعداد دائم للفرد لأن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقا للقانون المدني، وأما الظلم فهو أن يسلب شخص، متذرعا بالقانون، ما يستحقه شخص آخر طبقا للتفسير الصحيح للقوانين. ويسمى العدل والظلم أيضا بالإنصاف وعدم الإنصاف؛ لأن من واجب القضاة، المكلفين بوضع حد للخصومات، ألا يفرقوا بين الأشخاص بل أن ينظروا إليهم على قدم المساواة، ويحافظوا بقدر متساو على حق كل منهم ، فلا يحسدون الغني ولا يحتقرون الفقير.
أما الحلفاء فهما شعبا أمتين
15
مختلفتين يتفقان تعاقديا فيما بينهما على ألا يضر أحدهما بالآخر تجنبا لأخطار الحرب أو لأي سبب آخر متعلق بمصالحهما، وأن يعين أحدهما الآخر وقت الحاجة. ولكن تظل كل أمة منهما دولة مستقلة، ويظل التعاقد
16
ساريا طالما وجد السبب؛ أعني احتمال الخطر أو المصلحة المرجوة، إذ إن أحدا لا يعقد اتفاقا ولا يلتزم بالوفاء بتعاهد إلا طمعا في مغنم أو خوفا من ضرر، فإذا ذهب هذا الباعث انفك الحلف من تلقاء نفسه، كما تشهد التجربة ذاتها في كثير من الحالات. على أنه، في حين تتعهد الدول المستقلة، بناء على اتفاق بينها، بألا تضر إحداهما بالأخرى، فإنها تحاول بقدر الإمكان أن تحول دون زيادة قوة الدولة الأخرى، ولا تثق إحداهما بشروط العقد المبرمة إلا بقدر ما تتضح غاية الاتفاق والمصلحة منه لكلا الجانبين. وبعبارة أخرى، فإن كل دولة تخشى أن تخدعها الدولة الأخرى، وهي على حق في ذلك؛ إذ إن المرء لا بد أن يكون غبيا جاهلا بحق السلطات العليا لكي يثق بعهود دولة أخرى وبوعودها على حين تحتفظ هي لنفسها بسيادتها وبحقها المطلق في أن تفعل ما تشاء ولا تعترف بأي قانون أعلى من مصلحة نظامها السياسي الخاص ومنفعته. وحتى إذا تأملنا الأمر من وجهة نظر الدين والتقوى، فسوف يتبين لنا أن أي فرد يكون قد ارتكب جرما إذا وفى بوعوده وكان في ذلك ضرر على الدولة التي يحكم فيها؛ ذلك لأنه لا يستطيع الوفاء بهذا الوعد عندما يكشف أنه يلحق الضرر بالدولة إلا إذا تخلى عن ولائه لرعاياه، مع أن هذا الولاء واجب عليه قبل أي شيء آخر، فضلا عن أنه يكون عادة قد تعهد بالإبقاء عليه أمام الملأ.
ناپیژندل شوی مخ