252

منه مما يقتضيه شرع أو طبع مع كونه مباحا بحيث أن أسبابه ليس منهيا عنها لأن قبول الحج موقوف على تصحيح بدايته من حيث إقامة الحق عليه في تحصيل أموره ومادة أسبابه وإباحة موصله ورعي الحقوق في جميع ذلك كله من غير مهلة إلا ما أخره الشرع لوقته فسوف يأتي الله بقوم يعينونه على ما هو بصدده لقوله تعالى : ( على البر والتقوى ولا ) فتتيسر أسبابه وتجتمع همته ويتحقق مقصده وتتهيأ أعماله القبول مع استيفاء الحقوق فمن كان معه حال اجتماعهم به فهذا هو إشراق بدايته وهو يدل على إشراق نهايته لأن من صحت بدايته صحت نهايته مع الاتساع في معاملته والإنفاق على قدر طاقته والمعاملة بقدر أسراره والرأفة بقدر وسعه لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فيحسب قوته إذ لا يكلف الله إنسانا إلا بقدر استطاعته.

وإنما تنزل الرحمة على رفقته بقدر وصفه بما ذكر ونعته فإذا تقرر هذا فاعلم أن هذه المفازة كما وصفناها أولا غير أن الله تبارك وتعالى يسرها علينا بفضله لأن مقتضى العادة أن تتعسر على من هو مثلنا لأني بعيالي ثلاث نسوة زوجة لأبني وزوجتان لي مع كثرة الجماعة وقلة ذات اليد وكثرة البغال إذ كان معي خمسة ومع ذلك لم يصب الجميع جوع ولا عطش ولا خصنا خصب الدواب ففضل الله ظاهر ، ووجودة باهر ، وسوق أحبابه عامر ، وعطفه علينا حاضر ، لا سيما أنا تهنا عن الطريق حين دخولنا السروال أنا وجماعة أمير الركب سيدي محمد المسعودي الدكالي الصحراوي إذ تخلفنا لصلاة العصر فلما صليناه غاب عنا الركب بين الجبال فجددنا في لحوقه فتهنا عنه تيها عظيما ثم افترقنا في طلبه فلم يظهر لنا أثره ولا تبين لنا خبره ثم إن الله تفضل علينا بوجود آثاره بعد الاياس منه هذا وانه كريم لا يخيب من قصده ولا ينعكس معتمده أصلا فلما تفضل علينا وتكرم لدينا لحقناه بعد أن نزل واستقر في مبيته ووجدنا أيضا الإبل في مسارحها والناس متفرقون في مصالح المبيت

مخ ۲۷۵