235

فضحك الأستاذ ناصر الدين قائلا: جازت ولا بأس يا شيخي، هذا صاحبنا الريحاني الذي طالما وددت أن تراه وتتعرف به.

فأخذت الشيخ دهشة جعلته هنيهة كالجماد، ثم ترجرج الزئبق في عينيه، ولاح في وجهه وميض من النور، فنهض إلي هاشا باشا، يعتذر ويستغفر، وأجلسني إلى يمينه على الديوان وهو يقول: لا كانت ساعة، لا كانت ساعة، خدعتني يا ناصر الدين، بل هذه القبعة لعنها الله! خدعتني.

فقال الأستاذ: وليخدعنك من هذا الرجل أشياء أخرى لو عرفتها، فإن لكل رأي من آرائه قبعة، ولكل شيطان من شياطينه جبة. ظاهره أوروبي، وباطنه - الله أعلم بالسرائر.

فهتف الشيخ قائلا: لا سمح الله، لا سمح الله.

فقال الأستاذ شارحا الاكتفاء: كيف لا وبين الشرقيين والغربيين وهدة عظيمة.

فأجبته ذاكرا الآية:

وهو على جمعهم إذا يشاء قدير .

وفي تلك الآونة مر بياع السوس يقرع الفنجان بالفنجان، مناديا «برد يا عطشان» فأوقفه الشيخ في الباب وأمر لنا بقصعة مما في قربته السوداء الزرباء الردغاء، وقال يطمئنني: لا تتقزز، للطاهر كل شيء طاهر ثم مد يده إلى رزمة من الكتب تحت الديوان فأخذ منها كتابا ونفض عنه الغبار قائلا: هذا سفر جليل أحب أن تطالعه أهديكه ذكرا لزيارتك مكتبتي، فقبلته شاكرا وقرأت ما على جلده فإذا بالآية:

إن الدين عند الله الإسلام ، فخطر لي فكر، ولكني تذكرت ما جاء في الكتاب الكريم: ولا تسألوا عن أشياء إن تبدو لكم تسؤكم.

وفطنت - إذ ذاك - أنني في غور من المدينة بعيد الأرجاء وأن دون منزلي سراديب وأخاديد لا يرمقها «قمر»

ناپیژندل شوی مخ