3
البلدية بشيء من نوره، فقمت أعتذر، فقال الأستاذ ناصر الدين: لا أدعك والله ترجع وحدك، أما المسجد فها هو في وجه هاته المكتبة، تعال غدا.
فدهش الشيخ لهذه الدعوة وبهت، وأومأ إلى الأستاذ فكلمه كلمة في الزاوية، ثم خاطبني مجاملا معتذرا مستغفرا ملحنا ملغزا، فأراحه وأراحني الأستاذ بكلمة من كلماته الصريحة إذ قال: أما ترجمة ذا الهذيان كله فإليك بها: لا تجئنا غدا بالقبعة.
فقلت: وعلى رأسي الطربوش والعمامة.
وفي اليوم التالي يممت المسجد ... وكان الأستاذ ناصر الدين في المنبر فسمعته يقول:
ويل أمراء الناس، من عواقب الإفلاس، ويل أمراء الكلام من منطق الأيام، ويل أمراء المؤمنين، من كتائب الحق واليقين، إفلاس في الإيمان، مغبته السقم والهوان، إفلاس في الآداب، مغبته العقم والخراب، إفلاس في الحكومة، عواقبه معلومة، ويل المنافقين والطغاة من نهوض الجماعات. ويل الأمة، من جهل الأقسة والأئمة، قلانس لا تزين، وعمائم لا تعين، أرياء وإكرام، أسفه واحترام، أفسق وإجلال، أنفاق وإقبال، لا ورب الجلال! ويل للرؤساء المتنطعين، ويل للأعيان الأغمار، يحلفون بالرسل والأنبياء وهم لإبليس أخدان وحلفاء، ويل الظالمين، من حمم البراكين، ويل لصوص الملك والسفاء من غضب الأرض والسماء، غدا ينقدون مما يضربون، غدا يشربون، مما يسقون، غدا يأكلون، مما يطبخون، غدا يحصدون، مما يزرعون. ازرع العاصفة، تحصد القاصفة، ليحصدون والله مما يزرعون.
وهل يحصد المرء غير ما يزرع، ازرع الوفاء تحصد جميل الدعاء، ازرع الآداب، تحصد المجد والإعجاب، ازرع الصدق والرصانة، تحصد الثقة والأمانة، ازرع العلم والحلم والإحسان ، تحصد السؤدد وولاء الزمان، ازرع البر والقناعة، تحصد الحكمة والدعة. ولكنك إذا زرعت الأثرة، تحصد النقمة، وإذا زرعت الفسق والفحشاء، تحصد الويل والبلاء، وإذا زرعت الريب والشبهات، تحصد الخيانات، وإذا زرعت الكذب والبهتان، تحصد الذل والهوان، وإذا زرعت الجهل، تحصد التعصب الذميم، وإذا زرعت الظلم تحصد الجحيم.
جر أن الزارعين فسادا، ليحصدون رمادا، والزارعين عارا ليحصدون نارا، وحبة سبل الإثم والفساد مجيدة عروش الظلم والاستبداد، ولكن الزنابير تكمن في الأزاهير، وتحت الرياحين تلبث الثعابين، اليوم ديوان وإجلال وغدا سجن وأغلال، اليوم قبة مضروبة وغدا منصوبة، اليوم تاج وصولجان وعود وكاس وقيان، وغدا؟ لا جنازة غدا ولا أكفان.
لنا النفوس، وللطير اللحوم، وللوحش العظام، وللثوارت السلب. •••
وبعد الخطبة والصلاة، اجتمعت في مكتب الشيخ مبغض القبعات تجاه المسجد ... بنفر من إخواني شبان المسلمين الذين ينزعون إلى الوهابية في الدين وإلى شبه مذهب الخوارج في السياسة.
ناپیژندل شوی مخ