هذا والأمير عز الدين الأفرم الصالحي وجماعة من خشداشيته في الصعيد قد فتحوا الكثير من البلاد، واستولوا عليها، وخطبوا للملك الناصر فيها ؛ وكتبوا إليه يعلمونه بهذه الأمور ويجسرونه ؛ والملك الظاهر وجماعة البحرية يعضون أناملهم من الغيظ، ويأكلون أيديهم من الغيينة ؛ ولا يمكنهم يجمعهم القليل مصادمة عسکر مصر، ومعاداة عسكر الشام، فصبروا بغير الاختيار، وقعدوا وفي قلوبهم النار، إلى أن وصل الشيخ نجم الدين عبد الله البادراي، رسول بغداد، فأصلح بين الملك الناصر وبين الملك المعز، ورجعت عساكر الشام وصحبتها الملك الظاهر وخوشداشيته، فاشتغل الملك الناصر عنهم، وفترت همتهم في الإحسان إليهم، وصارت نقود هم تنكسر الأشهر الكثيرة، وضاقت بالسلطان الأحوال، لأن الجميع كانوا من عيلته، ولا يسع الاختصاص عنهم، حتى لقد بلغني أن الملك الناصر مسأله في بعض الأيام أن يأخذ مستحقه - وهو جملة كبيرة - ويأخذ خوشداشيته البعض، فقال : « أعطوا خشداشيتي وخلوني أنا، أو اعطونا جميعنا !».
وشاهد الملك الظاهر أن تلك العهود تغيرت من الملك الناصر. وصار الملك المعز هادي الملك الناصر، ويخوفه من السلطان وخوشداشيته، ويكتب على ألسنتهم المكاتبات الباطلة ؛ ففهم ذلك الملك الظاهر، وتحقق أنه إن لم يخرج من باب حيلة دخل عليه من أبواب. وكانت نابلس إقطاعه، فطلب دستورة يروح إليه، فتوجه. وكانت جماعة من خوشداشيته مقطعين بغزة والساحل، فأخذهم وتوجه إلى الكرك، وصحبته الأمير سيف الدين قلاون الألفي، وعز الدين أو غان الركني وغيرهما. وصادفهم في الطريق خلق من التجار، ومن جملتهم تجار الملك الناصر، وصحبتهم متاجره، فما من السلطان أحدة يتعرض إلى شيء من ذلك، حتى أن أحد خوشداشيته الكبار تعرض إلى بعض التجار للملك الناصر فأنكر السلطان ذلك عليه، وضربه بالسيف ورد المال" لمن كان معه ؛ ولم يمكن أحدة من التعرض إلى شيء من ذلك .
مخ ۵۶