وإذا كان الإيمان بالقرآن حاصلا بدونه وقيام الحجة موجودة بهذا القرآن الذي معنا ، فالقول بأن حقيقة القرآن غيره ، باطل ، لأنه من باب إنكار الحقائق وصرفها إلى أمور متخيلة بغير حجة ، وذلك باطل . وتعلقهم في هذا بأن القول علم الله وكلامه ، إنما هو من باب الإستدلال بألفاظ مشتركة ، فلا حجة بها لأنها متأولة . أنه كلمة الله ، ولقد احتج بها بعض النصارى على أنه غير مخلوق ، لأنه روح الله (¬1) ، وكلمته ألقاها إلى مريم كاستدلال هؤلاء الجماعة على إثبات القرآن صفة ذاتية بأنه كلام الله وليس في ذلك من دليل لجواز أن تكون الإضافة لمعنى الإختصاص له تشريفا - كقولك : ناقة الله وبيته وكلمته وروحه ، متى قيل في القرآن أنه علم الله فالإضافة فيه كذلك ، ومثله قوله :
كالغيث رحمة رب العرش وهو على المسافرين عذاب واصب وبلا
فرحمة الله صفة من صفات ذاته الأزلية القديمة ، فقولنا الغيث رحمة الله لا يراد به أن الغيث صفة من صفات ذات الله تعالى وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رحمة الله في قوله تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (¬2) وقال : { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } (¬3) وليس المعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو من رحمة الله التي هي صفة من صفات ذاته القديمة الأزلية ، لأنه مخلوق وهي قديمة ، فكذلك علم الله ، إن عبر به عن شئ من معلوماته كالقرآن ، ولقد رأيت في كلام بعض المتصوفة ةقد أنكرت عليه حاله فقال لمن أنكر عليه : (( أنا من علم الله الذي لا تعلمه )) وهو كلام بديع في غاية الحسن ، وليس المراد به انه من علم الله الذي هو من صفات ذاته ، ولكن أراد أنه من معلومات الله التي لا تعلمها أنت يا مخاطب .
مخ ۵۴