قال ثابت: قد صعبت هذه الصناعة وأوعرت الطريق إليها، هذا مع خساسة نتيجتها.
قال أحمد: وكيف ذلك يا ثابت؟
قال ثابت: لأنه لا يتهيأ أن يرد الشىء بسيطا، إذ الغالب فيه الشىء الواحد، إلا بعد مشقة النفس وكد الطلب. فإذا ركب أيضا كان الشىء القليل الذى يقل مقداره.
قال أحمد: بل يصح فى هذه الدرجة استدلال أومانيطس. فإنه إذا فعل قد مثلث فإنه يمكن بعد ذلك أن يستحيل إليه من الأركان الأربعة ما جانسه فى الهيئة والشكل، كما قد قلت مرارا إنه من الواجب أن يتصل الشكل بالشكل. وإنما أخطأ أومانيطس لما أراد أن يزيد فى الشىء وهو مركب بالاستحالة إليه مركبا مثله، فهذا يستحيل بفعل الاختيار. فأما البسيط فقابل شكله كما قدمت، ثم يدبر كتدبير البدء.
قال ثابت: فما ترى أن يكون الشىء المدبر؟
قال أحمد: إذا كان أى شىء كان، رددته بسيطا، فليكن ما كان، لأن أكثر اختلاف الأشياء إنما هو من أجل التركيب. وقول أفلاطون فى صدر هذا الرابوع الثانى الذى أنا مخرجه يشهد بصحة ما قلت. وإنما طول كلامه لينبئ عن طبائع الأشياء وأنها أسهل تدبيرا.
قال ثابت: وما قال أفلاطون؟
قال أحمد: قال أفلاطون: إذا كانت الأشياء من جنس واحد أصلها، فإن ردت ففى واحد.
قال أحمد: يريد الفيلسوف بهذا القول أن الأشياء الموجودة كلها من أصل واحد، وإنما تغايرها من أجل تفاوت أجزائها، وأن كل شىء فيه من اختلاط الطبائع ما ليس فى غيره، وأن تغايرها من أجل ذلك. فنقول: إنه إذا حل التركيب وفرق فإنه يرجع الشىء كما كان فى الأصل، وهو الشىء الذى هو أصل الأشياء وجنس الأجناس.
قال أفلاطون: والمعرفة بالأجسام وكيفياتها وبدئها مما يسهل العمل.
مخ ۱۲۵