قال أحمد: من وثق من نفسه بالصبر على العمل والتوقى من الخرق وما فيه كسر الآنية فاستعمل الزجاج الذى يسميه الفيلسوف الصقيل كان مما يؤيد رأيه إذ هو مستمكن من النظر إلى العمل. على أن الفيلسوف قد أمر مع هذا بالآنية الأخرى، يعنى بها ما مثل عملها قبل، كأنه يجعل بعض العمل فى الزجاج وبعضه فى الإناء الآخر ويكون الوقود والتدبير على سنن واحد، فيستدل بما يراه فى الزجاج عليه وعلى الآخر، ويكون مستظهرا بالإناء المكلس إن عرض للزجاج عارض.
قال أفلاطون: وإذا أنت رددت من الصفو على العكر استحال إليه.
قال أحمد: إن المطلوب من هذا العمل هو المعنى الذى ذكرناه فيما تقدم من كلام الفيلسوف؛ وهو ما قد أشرت إليه فى كتابى هذا وفى غيره، وهو أن أوائل الأشياء أوائل متشابهة والاختلاف من أجل التركيب. فإذا أقمت الشىء مقاربا لما كان فى البدء وأقام كل ما جاوره وخالطه كهيئته فى التركيب — فيقول الفيلسوف إنك إن رددت ما قد صفى بعض التصفية على العكر أحاله إلى الصفو، لما قد أخبرت.
قال أفلاطون: والتركيب وقع فى أزمنة ومداخلة فلا يبطل دون مداومة العمل.
قال أحمد: يحرضنا الفيلسوف على إعادة العمل مرارا ويوئسنا بقوله هذا من إدراك المطلوب إلا بالعناء الشديد والتدبير النافذ.
قال أفلاطون: ولا يزال يفرق حتى يستيقن قيام كل واحد منهما بذاته — إلى أن قال: فالتدبير له كتدبير الآلة.
قال أحمد: وإن المدبر العلوى لا يعيد الشىء حتى يصير فى هيئته الأولى — كذلك يشير الفيلسوف أن يكون تدبير العمل كذلك.
قال أفلاطون: ومن دليل الصفو إذا أنت خلطته مع العكر أن لا يمازجه بل يستحيل إليه.
قال أحمد: إن الشىء إذا صار بالمحل الذى وصفه الفيلسوف لا يخالط شيئا بتة، بل يحيل إلى جوهره ما جاوره حتى يصيرا فى هيئة واحدة.
مخ ۱۸۵