قال أحمد: قد يجب أن أقصد فى هذا الموضع من الكتاب إلى ما عادتى أفعله فى مثله، وهو أن أحيد عن إخراج ألفاظ الفيلسوف فيما كان هذا سبيله من العمل، وأتولى الإخبار عنه ليسهل على الطالب إدراك ما يطلب. اعلم أنه يجب أن تكون أوانى التحليل مما مثله الفيلسوف فيما تقدم من القول، ويكون أحدهما كهيئة القرعة المستطيلة مدورة الأسفل مسنونة التقطيع، ويكون طولها قدر ذراعين وعرض أسفلها مقدار عظم الذراع؛ فهذه القرعة الأولى التى يسميها اليونانيون السوكينا، أى المحيط. وتكون القرعة الثانية مثل نصف القرعة الأولى فى هذا الطول والعرض، وتكون لهذه القرعة شفة منكسرة إلى برا. إذا أنت أرسلت هذه القرعة فى القرعة الأولى وقعت الشفة على فم القرعة الأولى فمنعت القرعة من أن تصل إلى أسفل؛ ثم ينصب على فم القرعة الأولى الإنبيق. وليكن كل ذلك ملازما بعضه لبعض لئلا يفوت ما يخرج من العمل، وتكون قد ثقبت أسفل القرعة الثانية بثقب صغار. فإذا أنت وضعت العمل فى القرعة الثانية ودليته فى القرعة الأولى ونصبت عليه الإنبيق وشددت الوصل وأحكمته ووضعت بعد ذلك القرعة الأولى فى إناء فخار كبير، بعد أن تلقى فى أسفل الإناء كهيئة المستوقد لئلا يلصق به من أسفل القرعة. فيكون ما قد حذرناه الفيلسوف فى وصول النار إلى الجزء السائل، ثم يصب فى الإناء الفخار الماء بقدر ما يحيط بالقرعة وينزل نحو الشبر من القرعة خارجا من الماء، وتكون أنبوبة الإنبيق قد أدخلت فى فم الإناء ملازمة؛ واستوثق من الوصل لئلا يفوت الصاعد. أوقد تحته برفق وتأن، فإن المنسوب إلى الروح يصعد إلى الإنبيق: فإن كان سيالا سال فى الإناء، وإن كان يابسا رقد فى حواشى الإنبيق. ويسيل المنسوب إلى النفس من ذلك الثقب إلى أسفل القرعة ويبقى الجسد فى موضعه.
فهذا جملة أمر التفريق؛ وأخرجه الفيلسوف بكلام طويل هائل، فاختصرت ذلك وأوجزته بكلام سهل عامى، لما رجوت فيه نفى الحيرة عن طالبى العلم.
قال أفلاطون: وليكن المنخل متضايقا لئلا تشترك النفس مع الجسد.
قال أحمد: إن الثقب الذى فى أسافل القرعة إذا لم يكن متضايقا فإنه يسيل من الجسد أيضا كما يسيل النفس فيفسد التدبير، فلهذا يأمرك الفيلسوف بما يأمرك.
قال أفلاطون: وبعد الفراغ فإن خفت فى العمل الاختلاط فدبر كل واحد منها كتدبير الأول.
قال أحمد: إن هذا الذى ذكره الفيلسوف، خفت الاختلاط أم تخفه، فلا بد من استعماله لأنه لا بد أن تصعد ما لا يجب أن يصعد، وتنزل ما لا يجب أن ينزل، ويبقى فى موضعه ما يجب فيه الصعود والنزول فإذا أنت رددت كل واحد منها، أعنى الصاعد والنازل والثابت فى القرعة وعالجته كعلاجك أولا، استقام لك واستثبت.
قال أفلاطون: والآنية الزجاج فلولا ما يسرع إليه من الكسر لكان فيه مرفق لنفاذ البصر فيه.
قال أحمد: إن هذه هذه الآنية التى علمنا الفيلسوف صنعها إن كانت مقاومة للماء والنار فإنها تعمى على العامل، إذ كان البصر لا ينفذ فى جرمها والعامل يحتاج إلى ذلك ليقف على صعود العمل ونزوله، وهل يجب أن يقطع النار أو يرتد.
قال أفلاطون: فإن قدرت على سياسة الصقيل فافعل واستظهر بالاستعمال للآخر.
مخ ۱۸۴