قال أحمد: إن الدم، وإن كان من عفونة الأركان، فقد حوى القوة النفسانية وهو مسكن للروح، والزبل ظاهر العفونة؛ فالزبل — لنقصان قوته — يعجز عن مثل فعل الدم فى المداخلة. فقوة الزبل فى تحليله بالعفونة، وقوة الدم بالحرارة، وقرب العهد بمجاورتها الروح.
قال أفلاطون: وفى الزبل، لفرط العفونة، قوى تطلب المفارقة؛ فبطلبها ذلك تداخل العمل فتنجع.
قال أحمد: قد قلت بدءا وكثر كلامى فى كتبى فى هذه العلة وأعلمت محبى العمل أن الزبل يجتذب القوى البرانية لفقره إليها، وبرهنت ذلك بما يحدث فى السماء والزرع، وأن ما كان فيها من القوى طلب مفارقتها، إذ العفونة تفاوت التركيب ومفارقة الصفو. فيقول الفيلسوف إن القوى الطالبة لمفارقة السماء تداخل العمل وتدبره فيكون منجعا.
قال أفلاطون: والدم يفرط فيدخل على العمل ما لا يشاكل فيفسد.
قال أحمد: لما كان الدم قريب العهد بمجاورة النفس كان جوالا نفاذا، فبفرط جولانه وتداخله يدخل على العمل، مع ما يداخله من الصفو، الكدر، فيكون ذلك الداعى إلى الفساد.
قال أفلاطون: فلا يستعمل الدم إلا فى الجاسى البطىء.
قال أحمد: إن من الأشياء ما يضعف حلها ويستحيل أن ينحل فى الزبل، فيضطر العامل إلى أن يحله فى الدم، ولا يتم له حينئذ ما يريد أيضا حتى يستعين بالنار ويغلى الدم غليانا شديدا. فإذا خاف أن يخرج عن حد الرطوبة أمده بالماء. فينهى الفيلسوف أن يستعان بالدم إلا فيما لا يعمل فيه الزبل.
قال أفلاطون: وما كان يسهل حله، فارفعه عن الزبل إلى ما هو أرفع منه.
قال أحمد: كما حاد فى تحليل الأشياء الرخوة عن الدم، كذلك يأمر أن يستعان فى حل ما لطف جدا بما هو ألطف من الزبل، كالماء الحار والخمر.
قال أفلاطون: والماء الحار وإن داخل لم يغير.
مخ ۱۷۵