فهذه الأعمال والدخن مما يجلب تألف هذه الكواكب، ويكف غوائلها فتدبر الأمر وثابر على تألف ما يستغنى عنه، وحد عمن لا يضرك أن تحيد عنه. وليكن عملك فى الكواكب البابانية على هذا القياس، وكذلك فى أهوية البلدان، وطلوع الأنوار 〈و〉تغير الزمان، أعنى بذلك أن تنسبها إلى أشكالها من العالم العلوى فتدبره كما تدبر شكله من العالم العلوى.
قال أفلاطون: فليكن لك فى الأوانى وصنعتها نفاذ وحذق واقتد فيه بالمحيط بالكل.
قال أحمد: كل عمل من الأعمال يعمله النافذ الماهر فهو أصلح وأوفق من عمل الغبى المغفل. فلهذا يشير الفيلسوف بأن يكون لك فى صناعة الأوانى نفاذ وحذق. ويعنى ب«المحيط بالكل» الفلك فى تدويره. ويأمرك أن تكون جميع الأوانى المستطيلة وغيرها لا تخلو من جنس التدوير، لأنه أبعد من التفاوت وأوفق للعمل.
قال أفلاطون: وإذا كان المراد من الشىء أن يكون فيه ما فى الأركان من الانحلال والانضمام، فالواجب ما يجب أن يكون فى شكل المحيط بالأركان.
قال أحمد: إن هذا القول مؤكد لما تقدم. وقد أنبأتك مرارا أن بحركات الفلك ما ينخل الأركان فيصير صفوها إلى العالم العلوى، وعكرها إلى القعر. فإذا كان يراد من العمل ما يحدث من الأركان، فالخليق أن تدبر، أعنى به العمل فى المشاكل، بما يحيط بالمركز.
قال أفلاطون: وإنما اضطررنا إلى استعمال المستطيل وغير ذلك من التدابير، إذ كنا مقصورين عن تدبير الإله — جل وعز — وعاجزين عن نصب الأشخاص العلوية.
مخ ۱۷۳