قال أفلاطون: فانظروا إلى تدبير الإله ودقته وكيف تحل الأنفس مع قدرته؛ فاقتدوا به وإن كنتم منقوصين ضعفاء!
قال أحمد: تدبر قول الفيلسوف هذا، وانظر إلى اجتهاده فيما يكشف لك وما يطلب لك من المثال الذى يحفد فى علته والتقدير الذى تقتدى به! ألا ترى أن الإله — عز وجل — مع إرادته لحل النفوس وقدرته على ذلك لا يعجل ولا يحمل على الشىء ما ليس فى وسعه واحتماله؟ فالواجب على الرجل المحب للعلم والإدراك أن يقتدى فى الرفق والتأنى بالكامل القدرة المتمكن من الأشياء، لا سيما وهو منقوص ضعيف كما وصفه الفيلسوف؛ وفى امتثاله أمر الشيخ ما يجمع له الفضيلتين: الاقتداء بالله جل ثناؤه، ونيل المراد.
قال أفلاطون: واجعل هذه الأعضاء أيضا دليلا، فإنما جعلت للتصفية والحل، لا لغير ذلك — إلى أن قال: وإن جعلت أيضا للنفس فكذلك.
قال أحمد: يقول الفيلسوف ويأمر أن نجعل الآلات التى نصفى بها العمل كالأعضاء التى فى الإنسان. ويقول إنما جعلت الأعضاء فى الإنسان ليفرق بها بين اللطيف والكثيف.
قال أفلاطون: وبالأعضاء ما قبل الشىء المتغاير وصار من الشىء مثله. قال أحمد: إنه بين عند ذوى الألباب أن تولد المنى من استحالة الأغذية بنضج الأعضاء لها وعملها فيها. فقد بان أن لعمل الأعضاء يستحيل من الشىء ما يخالفه فى الهيئة والتركيب فيكون منه مثله أيضا، إذ من الحشائش والنبات والأغذية المعروفة فيها الحركة وما يوجد فى الإنسان والحيوان يتولد الإنسان والحيوان، وبالأعضاء ما يكون من الإنسان الإنسان، ومن الحيوان الحيوان.
مخ ۱۶۴