وقد أخذ الفيلسوف من هذا الموضع فى القول الرفيع عن حد الطبيعة، فإن وافقته على مذهبه فإنه لا ينتفع بقراءته إلا القليل من الناس. فالأصوب أن أقصد لما بقى من قوله فى هذه الكتب. وإن احتجت أن أغير ألفاظه فآتى فيه بالمعانى فقط، فلست أريد بذلك إلا الشرح والبيان. وقد قلت مرارا إنه ليس مرادى فيما ألزمته نفسى وأشغلت به فكرى وأسهرت فيه ليلى وأتعبت نهارى. وقد عاب اسطالينوس — الرجل الفاضل — على الفلاسفة فى استعمال الكلام الجزل، وقال بعد: إنه لو ذهب لنا الزمان — الذى يذهب فى الوقوف على الكلام — فى تفهم الكلام والوقوف على معانيه — لكان أولى. وصدق ونصح للمتعلمين والطالبين. وإن الفيلسوف قد أخرج كلامه الجزل مرسلا، فإن لم أرتبه مراتب أقدم منه البعض على البعض، فإن ببعض ما أخرجه فى الكتاب الرابع فى هذا الكتاب، وأؤخر إخراج ما أخرجه فى هذا الكتاب وأخرجه فى الكتاب الرابع؛ ويكون مرادى فى ذلك وفى ترك استعمال الكلام الجزل الغلق أن أقربه من الأفهام، ليشترك فى العلم بذلك العامة فضلا عمن قد يفهم بعض آراء الأوائل ومذاهبهم.
وأبدأ بقول الفيلسوف فى التركيب، فإنه من لم يقف على العلة لم يقف على المعلول، ومن لم يعرف السبب الذى حدث فى الشىء لم يقدر على إزالته:
قال أفلاطون: إذا كان المضاد مباعد مضاده، فبالخليق ألا يجتمع إلا بواسطة.
مخ ۱۶۱