قال ثابت: لست أخلو فى كل كلامك من نفيس من العلم تفيدنيه، أو غامض تكشفه. وكل ما نتجه لى الطبع واكتسبته الفكرة ولم يكن اقتبسته منك، فإنه يظهر عواره عند الامتحان والكشف. فأنا الجدير ألا أعتد بشىء إلا ما آخذه عن ألفاظك، أو آتاه على طول الأيام محاورتك. فتمم أيها الفيلسوف ما بدأت به من إلزامك نفسك ما تكثر به شكر من يأتى بعدك.
قال أبو العباس: ارتفع يا ثابت وتشمر ودع ما كنت فيه إلى الآن، فإن الكلام فى هذا الكتاب قد ارتفع عن الطبيعة وتجاوزها، فلا يلحقه إلا من كان كذلك.
قال ثابت: ما أرجو أن أنال ذلك إلا بك وبمعونتك.
قال أبو العباس: إنى أريد أن ألبسه قليلا وأخلطه بما يشاكل وأقر به من الطبيعة ليسهل متناوله. فأما إن وافقت الفيلسوف فى مذهبه فيه فإنه قل من يفهمه.
قال ثابت: ما أولاك بكل جميل، إذ كانت شفقتك شفقة الأب الرحيم على الولد البر!
قال أبو العباس: سأرتب هذه الكتب ترتيبا ينفع الطالب تفهمه ويروضه على الرقى فيه:
إن الكتاب الأول فى الطبيعة، إذ كان التحرز هو من عمل الطبيعيين؛
والكتاب الثانى فى سماء انفصال الطبيعة، إذ كان اختيار ما يخلص ويدبر؛
والكتاب الثالث فى سماء النفس، إذ هو تدبير الطبيعة والحيل فى قلبها عن ماهيتها؛
مخ ۱۵۰