التوبة عنها.
وبه يظهر الجواب عن دعوى تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، غاية الأمر تسليم سقوط وجوب التوبة إذا اجتنب الكبائر قربة إلى الله تعالى بعد ارتكاب الصغائر أو عمل بعض الطاعات المكفرة: لكن التوبة أسبق من الكل، لأنها تحقق في زمان متصل بالمعصية لا يمكن فيه تحقق غيرها غالبا، والمفروض أن القائلين بانقسام المعاصي لم يقولوا بتحقق الاصرار الموجب للفسق بصدور الصغيرة وإن لم يتب عنها، ولم يمتثل اجتناب الكبائر - بل تركها، لعدم التمكن عنها - ولم يعمل طاعة مكفرة.
والحاصل: أن عدم وجوب التوبة إما لعدم الدليل عليه وعدم المقتضي لها - وإن بقي الذنب غير مكفر - وإما غيرها قد يقوم مقامها في التفكير. والأول مردود بعموم الأدلة، كما سيجئ (1) والثاني - مع أنه خلاف إطلاق الشارع من عدم كون الصغيرة مفضية إلى الكبيرة وإن لم يتب عنها ولم يعمل مكفرا آخر - لا ينافي وجوب التوبة ما لم يكفر الذنب بمكفر آخر غيرها، ولا يجوز أن يكون الوجوب تخييريا بين التوبة واجتناب الكبائر والأعمال المفكرة، كما لا يخفى.
فالتحقيق في الجواب: دعوى كون وجوب التوبة وجوبا عقليا محضا، بمعنى كونه للارشاد، وإن أمر بها الشارع أيضا في الكتاب والسنة، لكن أوامرها إرشادية لرفع مفسدة المعصية السابقة، ولا يترتب على تركها عقاب آخر.
وبعبارة أخرى: إنما وجبت التوبة للتخلص عن المعصية السابقة، ووجوب التخلص عن المعصية ليس واجبا شرعيا يترتب على تركه (1) عقاب آخر غير العقاب الذي لم يتخلص منه، فهي من قبيل معالجة المريض التي أمر
مخ ۵۳