37 - أرأيت لو قال له قائل قولا مختصرا : يا أيها الكندي المنكشف المبهوت ، نحن نقول : إن الباري جل جلاله فعل ما فعل من أجل المفعول ، إذ لا يجوز أن يكون مفعوله مفعولا تاما كائنا ذا أفعال وانطلاق وانتفاع إلا بفعل التمام له الذي من أجله كان المفعول وتم ، وكان هو من أجل المفعول ، إذ لا يكون علة إلا لمعلول ، ولا معلول إلا لعلة متشاكلان . وإذ لا يجوز أن يعلمه المفعول إلا وهو منفعل وإرادته أن تعلمه هي علة انفعاله ، فللإرادة كان المفعول ، وللمفعول كانت الإرادة ، ليس لواحد منهما عن صاحبه مخرج . فإن قال : هو إذن من [ أجل ] أن يعلمه فعله ، قيل له : نعم ، من أجل أن يعلمه ، وأن يعلمه هي إرادته التي من أجلها فعل ، لأن علم المفعول هي الإرادة التي من أجلها قام ، فافهم .
38 - وقوله إن الإنية فعلت من أجل إنيتها فباطل محض ، لأنه لا يجوز أن يقال على الإنية الواحدة بقول متوسط ، إذ لا غاية لها فيدخلها توسط ، لأنه لو دخلها توسط كان لها إذن بعض يفعل من أجله هذا قول لا يحمله العقل عن الله عز وجل ، تعالى الله عنه ، لأنه إن كان فاعلا من أجل [ 98 و ] ذاته ، والذات وحده لا غيرية فيها ، فهو لذاته فاعل ما فعل ، وذاته قبل ذلك وحدة لا علة فيها ، هذا من أشنع المحال والتناقض لمن عقله . وأيضا إن كان فعل من إجل إنيته ، فالفعل لازمه ضرورة بما كانت الإنية علة للفعل ، لأن العلة والمعلول من المضاف ، لأن العلة علة المعلول ، والمعلول معلول العلة ، لا يجد العقل سوى هذا .
39 - وأيضا إن كانت الإنية فعلت من أجل ذاتها ، إذ الفعل ليس ضرورة ، فهي فاعلة لبعضها وما سواها معدوم ، لأن بعضها علة فعل ، وبعضها علة إيجاب فعل ، فهذا كله يدخل على الكندي .
40 - وأيضا إن كان الفعل من أجل الإنية ، فالفعل لازمه ضرورة ، فالفعل إذن لم يزل والإنية متقدمة للفعل ، فهي إذن قبل الفعل ، فهي إذن أزلية والفعل حادث ، والفعل من أجل الإنية ، فالفعل إذن لم يزل ، فالفعل إذن حادث والفعل لم يزل ، هذا خلف ، أراد شيئا فكانت الإرادة السابقة علة موضوعة لما يكون ، ولا علة لها هي لأنه ليس قبلها مثلها ، والعلة والمعلول متشاكلان ، فمحال أن يكون لها علة ، إذ ليس
مخ ۳۷۶