ولهذه الحجة ارتكب النظام القول بالطفرة، أي إن النملة مثلا التي تقطع مسافة ما تطفر بعض مقدارها إلى بعض.
وهو قول مع شناعته غير نافع له، فإن النملة لو طفرت من الجسم بعضه، فالذي قطعت بحركتها منه إن كان متناهيا كانت نسبته إلى ما طفرته نسبة متناهي العدد إلى متناهي العدد، إذ تمكننا أن نقطع من القدر الذي طفرته بمقدار ما قطعته إلى أن تفني الجسم، فكان الكل متناهيا مع فرضه غير متناه، وإن لم يكن متناهيا عاد الالزام بعينه فيه.
الأصل الثاني (في أن الحوادث متناهية ولها بداية خلافا للفلاسفة) لنا وجوه:
(الأول) إن مجموع الحوادث في طرف الماضي إلى زماننا صدق دخوله في الوجود، فنقول: وجود ذلك المجموع موقوف على وجود كل واحد واحد من الحوادث، والموقوف على أمر حادث يجب أن يكون حادثا، ينتج أن وجود ذلك المجموع حادث. أما المقدمة الأولى فلأن الحوادث أجزاء مجموعها، وتحقق المجموع بدون جزئه محال. وأما الثانية فبينة بنفسها.
(الثاني) إن كان كل واحد واحد من الحوادث يلزمه الحدوث وجب أن يكون مجموعها كذلك، لكن الملزوم حق فاللازم مثله. أما الملازمة فلأن لازم الجزء لازم الكل، وأما حقيقة الملزوم فظاهرة.
فإن قلت: اللازم لكل واحد من آحاد الحوادث هو حدوثه الخاص، وسلم أن مجموعها يلزمه حدوث أجزائه، إنما النزاع في لزوم مطلق الحدوث له.
مخ ۵۶