فقالت الملكة: «يظهر أن الأميرة جوليا غاضبة علينا لأنا ربحنا الخاتم، فسنرده لك يا عزيزة، ولكن لا تعنفينا لأننا فزنا هذه المرة بالغلبة على حكمتك.»
فقالت الأميرة: «الغلبة ليست لك أيتها الملكة، بل للعدو الذي يسمع أن ملكة إنكلترا جعلت اسم نسيبتها موضوعا للضحك والمزح.»
فقالت الملكة: «أنت مغتاظة يا عزيزتي لأننا ربحنا خاتمك البديع، فنحن نتنازل عن حقنا، ولا نخفي عليك أن خاتمك واسمك أغريا هذا الفارس حتى أتى إلى هنا، ونحن قد مسكنا السمكة فلا حاجة لنا بالطعم.»
فقالت الأميرة: «أنت تعلمين يا مولاتي أنك مهما طلبت مني فهو لك، وأنا أفضل أن أخسر كل ما عندي من الجواهر على أن يستعمل اسمي أو خاتمي لإغراء هذا الفارس وتعريضه للإهانة والعقاب.»
فقالت الملكة: «قولي لي إنك تخافين عليه من الإهانة والعقاب، والظاهر أنك لا تحسبين لي حسابا ولا تظنين أنني أقدر أن أسترضي الملك وأستمد له العفو منه. لا أيتها الأميرة، فغيرك له سلطة على قلوب الأبطال مثلك، وقلب الأسد ليس حجرا بل لحم ودم مثل قلوبنا، ولي عليه شيء من السلطان حتى أقدر أن أسترضيه وأجعله يعفو عن هذا الفارس إذا كنت تهتمين بأمره بهذا المقدار.»
فانطرحت الأميرة جوليا على قدميها وقالت لها: «أحلفك بحق كل الأوليات والقديسين أن تحترسي مما تفعلين، فإنك لا تعرفين الملك ريكارد إلا من عهد قريب، أما أنا فأعلم يقينا أن تسكين البحر عن هياجه أسهل عليك من تسكين غضبه إذا غضب، بالله عليك اصرفي هذا الفارس إن كنت قد أغريته ليأتي إلى هنا، وأنا أرضى بالعار الذي لحقني من استخدام اسمي لإغرائه إذا كنت أعلم أنه رجع إلى مكانه.»
فقالت لها الملكة: «انهضي يا بنت العم وثقي بكلامي أنه لا يحدث شيء مما تخافين، انهضي يا حبيبتي جوليا وأنا آسفة جدا لأنني أغريت فارسا يهمك أمره، انهضي ولا تفركي يديك قد سلمت أنك لا تهتمين بأمره، بل أنا مستعدة أن أسلم بكل شيء ولا أراك حزينة، وأؤكد لك أنني أتوسط أمره عند الملك وألقي اللوم كله علي، وها إني أرسل الآن نكتبانس ليصرفه وأعتذر إليه في وقت آخر عما جرى، وأظنه الآن منتظرا أمرنا في إحدى الخيام القريبة.»
فقال القزم: «كلا يا مولاتي، بل هو في خيمتك وبيننا وبينه هذا الستار.» فاضطربت الملكة وقالت: «أهو قريب منا وسامع كل ما دار بيننا من الحديث؟! يا للعار!» ولما قالت ذلك صرخ القزم وهرب من الخيمة والظاهر أنها ضربته حتى هرب صارخا، ثم قالت: «والآن ما العمل؟»
فأجابتها الأميرة جوليا: «يجب أن نراه ونستميح منه.» قالت ذلك وجعلت تفك عرى الستار، فنادتها الملكة وقالت لها: «بالله عليك أن تنتبهي إلى لبسنا ومجلسنا والساعة التي نحن فيها ...» ولكن قبل أن تتم كلامها سقط الستار الذي بينهن وبين السر وليم، فهربت الملكة وجواريها إلى خيمة أخرى، وأما الأميرة جوليا فأخذت مصباحا بيدها ودنت من السر وليم، وكانت لابسة ثوبا رقيقا وردي اللون ومتوشحة بوشاح يغطي كتفيها وصدرها، وشعرها الذهبي مسدول عليه وقصائبه محيطة بوجه اجتمع فيه الورد والياسمين. وكانت تعلم هول الموقف الذي وقفت فيه، ولكنها لم تدع خجلها وحياءها يمنعانها عن الكلام مع من خاطر بحياته وشرفه لأجلها، فوضعت المصباح من يدها وضمت أطراف الوشاح حتى غطى صدرها، وقالت: «عد أيها الفارس إلى مكانك فإنك قد أغريت إلى هذا المكان إغراء.»
فركع أمامها على ركبتيه كأنه راكع أمام ملاك هبط عليه من السماء، فقالت: «ما يوقفك هنا وقد سمعت كل ما دار بيننا، وكل دقيقة تقفها مجبولة بالعار والهوان؟»
ناپیژندل شوی مخ