ومن ذلك: والله بيننا وبين البين، فما أكثر فضوله ودخوله بين المحبين.
ومن ذلك: وقد وصل كتابه الكريم جوابًا بل ثوابًا عن كتابي العافي، وأسفر بشر صفحة بره المخفي وكل بشر لا إخفاء معه فهو بشر الحافي.
ومن ذلك: والقصائد أنا مترقب وصولها بأي خط اتفق، فعربيتها لا تغولها عجمة الناقل، ونور حقها يعرف من ظلمة الباطل، وما يضر محاسن سحبان أن تجري على لسان باقل.
ومن ذلك: سعدا لا يصوح منه مربعه الأخضر، أمنا لا يحزنه الفزع الأكبر، مطاعا بنفاذ تصريفه الأبيض والأسمر، محبوب القلم حتى لو عاداه السيف لقيل له إن شانئك هو الأبتر.
ومن ذلك: ولا أعدمني تفضله الذي تفض له صحائف الود، وتفاظ عليه طرائق الحمد، وعهده الذي جمع إلى بقاء الآس نضارة الورد، وإلى رواء الروض ري الورد.
ومن ذلك: وإلى أن تنجلي عنا هذه الغمره، وإلى أن تجف مناديل العيون فإنها كانت بالدموع عصره.
ومن ذلك: وفداه بأوليائه وإخوانه، ولا كرامة لأعدائه ولا نعمة لحسده، وأبقى على الدهر سؤدده الذي أجار بنيه من سوء دده.
ومن ذلك: ورد من سيدنا كتابان شرحا الصدر وسرا السر وسريا الهم، ولقياني بالفتح ولقيتهما بالضم.
ومن ذلك: ورد المثال الشريف من الديوان العزيز، فأبى له الضلال نوره، وأناله الهدى والهدو إسفاره وسفوره، وجلا وجله ملا أمله حبوره وحبيره، وما عدت أن غدت جنته وجريره جنته وحريره، وراض طرف طرفه في روض أنف أنف أن يعبر عنه إلا عبيره، وحلا عنه الآثام وأحله الدرجات العلا فهو سواره وسوره وسريره.
ومن ذلك: قسم فعدل، وأجزل فأفضل، وبلغ فلم يكن في بلاغ بلاغ، وفتح زهرا ما كان مثله ما يطول إليه باع باغ، فلله هو من كتاب ولله قلمه، فهذا أورد ما ساغ، وهذا قلد ما صاغ.
ومن ذلك: فأما الكتاب إلى غريم الجمال فالله يجمع المال على الجمال ويريحه من اتفاق هاتين السجعتين حتى يكون الجمال الجم المال.
ومن ذلك: والفضل بيد الله يؤتيه أهله، وقد زاده منه فلا عدم فضله، فما يجاريه مجار إلا حمق وكان في طريق السيل بقله.
ومن ذلك كل لفظة موصولة بأنة، وفي كل قلب من حزنه نار وفي كل دار من فضله جنة.
ومن ذلك: فما وصلت إلى مكان العافية منه، إلا وقد امتقعت واقتطعت وقلت بقية السلف الوضاح، وسحاب الفضل حوشي أن يضف حتى يكاد يرفعه من قام بالراح.
ومن ذلك: وأغناه بحراسة لفظه عن احتراسه، وأغنى الملك عن إعمال سهمه بقرطاسه.
ومن ذلك: وأدام سيادته على أهله، وأعاذه بخصب رحله من محل محله، ولا عدمنا من لفظه ما يشهد أنه الشهد حقا لا نحلة نحله ولا نحيلة نخله.
ومن ذلك: وأهلك كل عدو له وأذله، وجعل الحياة قذى وأذى له، ووقفت منهما على البلاغة المسرودة الموضونة، والجواهر الثمينة المكنونة، والثمرات التي اجتناها من شجرة البلاغة الطيبة، ومن الناس من يجتني من الشجرة الملعونة.
ومن ذلك: هو ذلك الفرع الذي سقاه حتى التف في ورقه، وخطر في سندسه وإستبرقه، وشافه منه بياض الفجر بعدما كان لا يظفر بأزرقه.
ومن ذلك: وبات الناس بالحصن مطيفين والنيران بهم مطيفة وعليهم مشتملة، وعذبات ألسنتها على وجهه مسدلة ومن خلفه مسبلة، ولفحاتها جهنمية وقودها الناس والحجارة، والبلاء ينادي طبرية وإياك أعني واسمعي يا جارة.
ومن ذلك: ولا زالت الملوك ببابه وقوفا، والأقدار له سيوفا. والخلق له في دار الدنيا ضيوفا، ودين دين الحق يعلم الناس إذا جرد لتقاضيه سيوفا أن سيوفى.
أقول: كيف رأيت هذه الدرر المتسقة والمحاسن المتفقة؟ هل أتى غيره بهذا النمط، أو ظفرت بهذه النكت في ذخائر الكتاب قط:
هذا كلامٌ عن الأملاك محتجبٌ ... فلا تذله بإكثارٍ على السّوق
وسوف يرد له في أثناء هذا الكتاب ما تدور عليه كؤوسه، وتشرق شموسه.
الصفدي ينتقد ابن الأثير في بعض من إنشائه
وأما قول ابن الأثير ﵀ في هذا الفصل الذي قدمته: إلا من ملكه لسانا هجاما وخاطرا رقاما.
فأقول: ما أدري ما أقوله في هذا، أي مناسبة بين هجام ورقام: ثم إن استعارة الرقم للخاطر بعيدة، وإنما الرقم لليد حقيقة وللقلم مجاز. وما معنى اللسان الهجام، ولو قال لسانا قوالا، وخاطرا جوالا، أو لسانا حاد الغرب، وجنانا لا يهاب الحرب، أو لسانا نظاما، وبنانا رقاما، أو ما أشبه ذلك لكان أحسن.
1 / 19