والدليل من العقل: أن الله لا يكلف العباد ما لا يطيقونه: أنا وجنا الله تعالى قد قبح ذلك في عقولنا، لا لعلة، من نهي أو غيره، بل لنفسه. وما كان قبيحا بعينه للأمر والنهي، فلن يفعله فاعل، كائنا من كان، إلا كان غير موصوف بالحكمة، إذا كان ذلك قبيحا في العقل. يعينه، لا لأمر ولا للنهي. وما كان قبيحا بعينه، قبيحا في العقل، فلا يفعله حكيم، لا خالق ولا مخلوق. ولو جاز أن يكون ذلك قبيحا منا حسنا من الله، إذ الخلق خلقه، لجاز أن يكلف الزمن العدو، ويكلف الأعمى النظر. وأن يقول لما لم يكن: إنه كان. ولما كان: إنه لم يكن. ويكون ذلك حسنا منه؛ لأن الخلق خلقه، والأمر أمره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الباب السادس عشر والمائة
في التخفيف بعد التثقيل
والتثقيل بعد التخفيف
يقال لمن قال: إن الله لا ينقل العباد، من تخفيف إلى تثقيل: إن الله تعالى قد أمر المؤمنين بقتال المشركين، بعد أن كانوا غير متعبدين. فقال تعالى: { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } فقد صاروا بالتخلف عن القتال متوعدين، بعد أن كانوا غير مأمورين وقد خفف عن عباده أشياء، بعد التثقيل عليهم، كقوله تعالى: { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } .
فإن قال قائل: ألم يكن الله علم قبل ذلك، عند ألزمهم الفرض الأول؟
قيل له: هو عالم بما كان، وبما يكون، قبل أن يكون. ولكن خفف عليهم وألزمهم الفرض الثاني، لما كان المسلمون أقلاء، في صدر الإسلام. وكانت نياتهم أقوى، فرض عليهم الفرض الأول؛ لقوة نياتهم.
ولما كثر المسلمون، وكان الحرص منهم، على قتال العدو ضعيفا، خفف المحنة عنهم، وألزمهم هذا الفرض الثاني. والله أعلم. وبه التوفيق.
الباب السابع عشر والمائة
في حجج الله تعالى على عباده المكلفين
فأول حجة الله على العباد: العقل. فحجة الله في الأرض: العقل، والاستطاعة، والكتاب، والسنة، والرسل.
والدليل على الحق: الهدى والرسل والميثاق والإجماع.
مخ ۹۶