الباب الخامس عشر والمائة في أن الله تعالى كلف العباد استطاعتهم وطاقتهم
وذكر تكليف ما لا يطاق
ونفي ذلك عن الله عز وجل
قال الله تعالى: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال: { فاتقوا لله ما استطعتم } فيوجد في قوله تعالى: { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } أي لا يؤاخذها ويطالبها.
قال المؤلف: الدليل على أن الله تعالى لم يكلف العباد فوق طاقتهم: قوله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } وقوله: { وما جعل عليكم في الدين من حرج } يعني من ضيق. ولو كان قد كلفهم ما لا يطيقون، كان قد جعل عليهم أكبر الضيق؛ لأنه لا ضيق أكبر، من تكليف ما لا يطاق.
وأما ما سألت عنه، من هل يجوز أن يكلف الله العباد ما لا يستطيعون؟ فذلك على معنيين عندنا: أحدهما لا يجوز لقائل أن يقوله. والآخر جائز عدل. وهو قول المسلمين.
فأما الوجه الذي لا يجوز، فإن الناس قد يكون لا يستطيعون، للزمانة والأمراض، بمنزلة المقعد، لا يستطيع القيام، لذهاب رجليه. والأعمى لا يستطيع البصر، لذهاب بصره، وما أشبه ذلك، فلا يكون مستطيعا، ولا مأمورا. ومن كان لا يستطيع، لأنه آثر المعصية، وشغل قلبه بها، فلم يستطع ما سواه؛ لأنه بغل نفسه بها، فهو مكلف وإن لم يستطع ذلك جاء من قبله. فهذا دفع، لما سأل عنه القدرية.
مخ ۹۵