ومعنا أنه لو كان أهل مصر متمسكين بدين عيسى، لم يخالفوه في شيء من الدين. وكانوا على جملة شريعته، من الأمر والنهي، والحلال والحرام، وجميع شرائع الإسلام. وكانوا على ذلك إلى أن بلغهم خبر بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوته إلى الجملة، وبلغتهم دعوته في الجملة، لكان عليهم الإيمان به صلى الله عليه وسلم، والتصديق بجملته، واعتقاد الطلب، لعلم ما يلزمهم في شريعته، من الأمر والنهي، والحلال والحرام واللوازم، ليؤدوه على وجهه، ويعملوا به بحقيقته. وليس عليهم معنا أن يتركوا ما هداهم الله له، من حلاله وحرامه، في شريعة عيسى صلى الله عليه وسلم، إذ بلغتهم الدعوة بالجملة، التي قد نسخ فيها، ما كان معهم حلالا بالتحريم، وما كان معهم حراما بالتحليل. وما كان معهم أمرا بالنهي، وما كان معهم نهيا
بالأمر ما كان عليهم ذلك حجة. وكان عليهم التمسك بحلال الله وحرامه، الذين هداهم له. ولا يضرهم بلوغ الدعوة بالجملة، إذا لم تبلغهم الحجة، بأحكام الجملة الداخلة فيها، حتى يأتيهم شيء من ذلك بعينه، إذا كان قبول ذلك لهم في دين الله بعينه عدلا وصوابا، قبل أن يأتي نسخه في دين الله بعينه . ولو كان قد نسخ. وبالله التوفيق.
الباب الخامس والعشرون والمائة
في تناسخ الشرائع
والرد على اليهود في إنكارهم النسخ إذ هو عندهم بدو
إن من كتب أهل الخلاف مكتوبا عليه موافق قال في اليهود:
وأما نسخ الشرائع، فإنهم إنما أنكروه، لأنهم زعموا أنه يوجب القول بالبدا، بأن الله يبدو له.
وجملة ما ننقض به عليهم، إقرارهم بأن الله تعالى يحيي عبدا، ثم يميته، ويصحه ثم يمرضه. فكل ما أجابوا به ذلك، وأبطلوا به، أن يكون موجبا للبدا. فعليهم مثله. وهو أن يقال لهم: أخبرونا عن إحياء الله الإنسان، ثم إماتته ويصحه ثم يمرضه. أتقولون: إنه حكمة وصلاح، وغير موجب للبدا؟
فإن قالوا: نعم.
قيل لهم: فما أنكرتم من أن يكون حكم الشرائع هذا الحكم.
مخ ۱۰۹