الذي أساء إلى تسامح كنيسته الخاصة في أواخر عمره.
وماذا يفعل؟ أيذاع بلاغ يعود به البلد إلى ملوكه السابقين؟ لقد فات الوقت، أم يزور المهدي لابسا درعا مذهبة كما صنع لدى ملك العبيد منذ بضع سنين؟ يوضع هذا التدبير الأخرق في الميزان فيلوح جعل صاحبه عبدا ثالثا يعدو بجانب حصان المهدي. ويبدأ غوردون بعرض سلطنة كردفان على المهدي، ويعرف خطيب الشعب هذا كيف يقابل مثل هذه الأمور بحذر، فيقول في رفضه هذا العرض: إنه لا ينبغي لإنسان أن يعرض عليه السلطان، ويذكر محمد المهدي للاسكتلندي البوريتاني ماذا قال سليمان لملكة سبأ:
أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون * ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون
ويحاول المهدي أن يستشهد أيضا بعيسى الذي عد في القرآن نبيا عظيما، ويصرح غوردون المطمئن إلى توراته بعدم صحة ذلك.
ويضيف المهدي إلى جوابه هدية منه مؤلفة من جبة درويش ورداء وسروال وعمامة وطاقية وحزام وسبحة مع قوله: «هذه كسوة الزهاد وأهل السعادة الكبرى الذين لا يبالون بما فات من المشتهيات طلبا لعالي الدرجات ... فإن أنبت إلى الله وطلبت ما عنده لا يصعب عليك أن تلبس ذلك وتتوجه لدائم حظك ...» وكان لدى هذا الزاهد الذي يكتب ذلك دائرة حريم تحتوي أكثر من مائة امرأة!
ويتبسم غوردون ويسجل في يوميته قوله: «يلوح لي أن المسلم يخاف الله كما نخافه، والمسلم - عند إخلاصه - نصراني مثلنا، وكلنا على شيء من الوثنية!» هذه هي حال فيلسوف متسامح في حياته الخاصة، غير أن هذا الحاكم يتلو كتاب المهدي على من بقي من وجوه الخرطوم في اجتماع رسمي ويطرح جبة الزاهد المرسلة إليه ويدوسها بحذائه العسكري.
ويتأهب كل من العدوين بعد تلك المفاوضة، وتشعر قبائل شمال الخرطوم بأن غوردون يهددها من الجنوب، وبأن الكتائب المعلن عنها تهددها من الشمال فتنحاز إلى المهدي نهائيا، وارجع البصر إلى ذلك الإنكليزي تجده مع بعض الكتائب قد فصل عن بقية العالم من قبل خمسين ألف درويش. والبرق وحده هو الذي ظل باقيا، ويوعد بالمدد برقيا في نهاية الأمر. وهل يصل إليه المدد في الوقت المناسب؟ والحكومة المصرية عاجزة، والحكومة الإنكليزية حائرة، ومن المحتمل أن كان غلادستن يضغن على ذلك الرجل الذي أدى تمرده إلى الحملة العسكرية الحاضرة كما يضغن على زملائه لإرسالهم غوردون راجين ألا ينفذ الأوامر الصادرة إليه.
وفيما كان غلادستن يؤخر إرسال المدد حملا لغوردون على مغادرة الخرطوم كان غوردون عازما على البقاء فيها إبقاء للسودان ومصر قبضة إنكلترة، وتشن حملة صحافية في أغسطس سنة 1884 فتسفر عن فوز الوزراء القائلين بالتدخل، بيد أن الكتائب التي كانت تستطيع إنقاذ الموقف في شهر مايو لم تذهب إلا بعد ثلاثة أشهر.
ويبصر غوردون ما يعد من نكبة، ويذكر الحقيقة سافرة في برقياته إلى اللورد كرومر، ويدع الحوادث تسيره فيما بعد، ويقرر بنفسه ما هو ضروري من الأمور، وقد يسير نحو خط الاستواء «وأدعكم عرضة لعار لا يمحي بترك حامية الخرطوم.» ويقول في يوميته: «نحن قوم أسوياء
12
ناپیژندل شوی مخ