220

نیل: ژوند يو سيند

النيل: حياة نهر

ژانرونه

وكان غوردون يستلهم النبي إشعياء إذا أراد أن يتقدم أو يقف، وإذا لم يجد في دارفور ماء أشار إلى نص في سفر الملوك الثاني، فيلوح أنه ظل يتلو التوراة في كل صباح أو مساء من كل يوم مرة مدة عشر سنين أو عشرين سنة، وما كان فيه من كرم صادر عن إيمانه فيدفعه إلى إطلاق خصم غدار كسليمان، وما كان يوزع به ماله من سخاء فيكفي وحده لتبديد شهرة الاسكتلنديين بالبخل. وحدث ذات يوم أن نفد عنده ما يمكن أن يساعد به مريضا من حاشيته فباع الوسام الذهبي الذي كان عاهل الصين قد أنعم به عليه.

وقائد هذا مزاجه كان لا بد من تقلبه تقلبا خطرا، فطورا يبدو راحما وطورا يبدو قاصما، فقد أعرب عن تحننه على أعدائه الذين خروا صرعى، وذلك في كتاب أرسله إلى أخته التي ما انفك يراسلها في أثناء نصف حياته، وهو؛ إذ كان يثق بسهولة، كان يقسو في معاقبة من يخادعه، وهو لم يتأخر عن إعدام من يرتشي من موظفيه، وهو قد جعل زنجيا نجيه

3

فداجنه

4

هذا النجي، وإذا ما وجب عليه في المعارك وحين المخاطر أن يقرر أمرا حظر دخول أحد عليه في خيمته يوما بأجمعه ليرجع إلى التوراة ويقلب الموضوع في قلبه ويسأل في نفسه: «ما هو الخلقي؟ ما هي حرية العبد؟ ما هو الصيت؟» وما كان من تفكيره في الصيت مليا ومن إنعامه النظر في المجد إنعاما عاطفيا، مثيرا للسخرية لا ريب، فيكفي وحده لجعله جذابا.

وكان هذا الاسكتلندي الجبلي الواضع في توراته شريطا أزرق أخضر أصفر رمزا إلى قومه، ضابطا مهندسا، ولكن التقوى كانت تقرأ على سيماه منذ صباه، فكانت له هيئة القديس ميشيل حين استناده إلى إيمانه وسيفه، حتى إذا ظهر مسيح جديد في الصين عين الكولونيل غوردون جنرالا وفوض إليه أن يقاتله، ويوفق في ذلك، ويقال مع التوكيد - مؤخرا - إنه أنقذ الصين، وكان - بين بعثاته إلى الآستانة والقدس - يعود إلى إنكلترة في كل مرة وينشئ حصنا، ثم يستأنف سفره إلى الخارج ويزهد في النساء ظاهرا على الأقل من غير مسح قديس، ولو كان أطول مما هو عليه قليلا لأوحى رونقه الوردي الحسن ومحياه

5

المشرق المتناسق وعيناه الرائعتان بمثال الاسكتلندي الجميل. وقد كان في الأربعين من عمره حينما وصل إلى السودان.

ومن يك ذا نفس نقية يبد أكثر تسامحا تجاه المجرمين من رجل الدنيا الذي لا يفقه سبب الجرم أبدا. وفي سنة 1874 يرسل إسماعيل غوردون حاكما للنيل الأعلى ويفوض إليه فتحه من أجل مصر، فيكترث لفتح هذه المنطقة أكثر مما لمكافحة الرق، ويفضل أن يكسب قلوب الزنوج أكثر من مقاتلة العرب. وما كان من عبوره النيل سابحا بالقرب من دوافع جوبا غير وجل من التماسيح ومن إمساكه بندقيته عاليا فقد نال به احترام الزنوج، وقد انتشرت على طول النهر قصة الأبيض السابح حاملا بندقيته بيده اليسرى.

ناپیژندل شوی مخ