وقول جريء فريد في بابه كهذا مما يجعل - في الغالب - للرجل الشريف مكانا في التاريخ أكثر دواما من جميع أعماله.
الفصل الثامن
كان خلفه على خلافه تماما؛ فبعد الصائد الضخم الشديد اللحياني، وبعد المحارب المسلح اللابس موقا،
1
يعين الخديو حاكما للسودان رجلا صغيرا نحيفا ماهرا أشقر الشعر أشيب الشارب دائم الحركة غير مقيد ببزة ولا بعمرة، وكان بهاء لونه وصفاؤه يتحدى شمس الصحراء، وكان محافظا على بساطة، على رشاقة، صبيانية تقريبا، وعلى غضارة
2
رجل رياضي، وما كان جميع ذلك لينعم عليه بسلطان كبير بين أولئك السود والسمر لولا عيناه الزرقاوان الفولاذيتان النفاذتان في الرجال كالنبال، وعنه قال صديق له: «إنه ذو بصر يثير العجب بنوره، وإن لم يمتد إلى بعيد في جميع الأوقات.»
ذلك هو أمر الجنرال غوردون الذي يشعله لهب باطني مع عطله مما كان يتصف به بيكر من بأس وبصر صرع بهما الفيول واكتشف بهما البحيرات ووفق بهما لمغادرة أفريقية، التي خسر غوردون فيها حياته، صحيحا سالما.
وفي الغالب يحاول رفع فضائل رجل ختمت حياته بفاجعة إلى أعلى مرتبة، وأفضل من ذلك أن يستعان بهذا الموت في إيضاح مزاجه، والحق أن غوردون ذهب ضحية خلقه، فالذي كان يمسكه ويشده مع تردده، والذي كان يمن عليه بذلك الحزم الذي يقرأ في نظره، هو اعتماده الروائي على الله، وهو في هذا يشابه كرومويل مع قلة كآبة، وإذا كان اتصال الرواد الآخرين الدائم بالمسلمين والوثنيين لم يؤد إلى تثبيت إيمانهم النصراني فإن إيمان غوردون لم يتزعزع قط، فغوردون - مع ليفينغستن - هو الإنكليزي الأفريقي الوحيد الراسخ الإيمان.
التقاء النيل الأبيض والنيل الأزرق.
ناپیژندل شوی مخ