173

نصراني

النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية

ژانرونه

ومن منسوجاتهم أيضًا الطنافس والبسط والأنطاع. اتخذوا بعضها لكسوة الكعبة قال البلاذري في الفتوح (ص٤٧): "وكانت كسوة الكعبة في الجاهلية الأنطاع والمغافر (والصواب المعافر وهي منسوجات يمنية) فكساها الرسول ﷺ الثياب اليمنية ثم كساها عمر وعثمان القباطي ثم كساها يزيد بن معاوية الديباج ... وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كان يصطنعها نصارى تنوخ وقضاعة. قال ابن خلدون في تاريخه (٢: ٢٤١): "أن التنوخيين نزلوا عبقرة من أرض الجزيرة ونسج نسائهم البرود العبقرية". وقال ياقوت في معجم البلدان (٣: ٩٠٧) أن عبقرة كان يوشى فيها البسط وغيرها فنسب كل شيء جيد إلى عبقرة. وقال الفراء هي الطنافس الثخان، وقال مجاهد: العبقري الديباج. وذكر المقريزي في الخطط مصانع البسط في صعيد مصر مما كان يشتغله نصارى الأقباط في البهنساء ودمياط وتنيس ودابق. ذكر أن بعض البسط كان يبلغ طوله ٣٠ ذراعًا وكان يباع الزوج منها مائتي مثقال ذب. وروى أن فسطاطًا صنعوه في تنيس منسوجًا بالذهب بيع بقيمة ١٤٠٠٠ دينار ما يساوي اليوم من نقودنا ٢٠٠٠٠٠ فرنك وكانوا ينقشون على هذه البسط صورًا شتى من الرجال والسباع والخيل والطيور. وفي متاحف أورية منها بقايا (Gayet: l'Art Arabe، ٢٤٨_٢٥٢) وكان البعض منها مصلبًا أي منقوشًا عليه الصلبان وروى في التاج في حديث جرير (١: ٣٣٨) قوله: "رأيت على الحسين ثوبًا مصلبًا أي فيه نقش أمثال صلبان". (النجارة) هي أيضًا إحدى الصنائع التي شاعت بين النصارى فاستفاد منها العرب في الجاهلية وأوائل الإسلام وذلك لندورة الخشب في أنحاء كثيرة من جزيرة العرب إلا أطرافها ولبعد العرب عن العمران الحضري. قال ابن خلدون في المقدمة (٢: ٣١٣ طبعة باريس): "إن العرب أبعد الناس من الصنائع والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو وأبعد من العمران الحضري. والعجم من أهل الشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها لأنهم أعرق في العمران الحضري وأبعد عن البدو" ثم ذكر كيف أن العرب استجلبوا صنائعهم من عند تلك الأمم. وقد مر لنا شيء من أعمال النصارى الخشبية في جزيرة العرب ما سبق في ذكر القليس (المشرق ١٨ [١٩٢٠]: ٥٢٥) وما دخل فيه من الأخشاب الثمينة كالساسم والساج والأبنوس اشتغلها النصارى فزينوا بها كنائسهم قبل الإسلام. ومثل ذلك ما رواه أبو الوليد محمد الأزرقي في كتاب أخبار مكة (ص١٠٥، ١٠٧، ١١٤) عن باقوم الرومي النجار والبناء الذي وكلت إليه قريش بناء الكعبة بعد حريقها وتصدع جدرانها فبناها بما اشتراه القرشيون من الخشب الذي أقبلت به سفينة الروم إلى جدة. وهم نصارى الأقباط والروم أيضًا الذين سقفوا بالساج المزخرف المسجد الحرام في مكة في أيام الوليد بن عبد الملك (الأزرقي ص٢٠٩) . ومما صنعه النصارى في أول الإسلام لخدمة نبيه وخلفائه الراشدين المنبر اصطنعه أولًا رومي نجار كما روى أبو سعيد وقيل "أن اسمه باقوم أو ياقول الرومي غلام سعيد بن العاص" وقيل أن اسمه إبراهيم النجار (أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ١: ٤٣) كان يجلس عليه محمد للجمعة. وكان في خدمة نبي الإسلام صانع نصراني آخر اسمه تميم بن أوس الداري من نصارى لخم أسلم سنة ٩ للهجرة وخدم محمدًا وكان يسكن معه المدينة ويدعونه راهب الأمة ثم أقطعه قرية عينون عند بيت المقدس (أسد الغابة ١: ٢١٥) . ثم أضافوا إلى المنبر عرشًا كان يجلس عليه محمد إذا خطب كما جاء في طبقات ابن سعد (ج٢ ق٢ ص١١) وكان أيضًا من عمل النصارى. وبعد موت نبي المسلمين تردد الخلفاء الراشدون في رقي المنبر وقد أخبر المقريزي (الخطط ٢: ٢٥٧) أن عمرو بن العاص اتخذ منبرًا فكتب إليه عمر بن الخطاب يعزم عليه في كسره ويقول "ما حسبك أن تقوم قائمًا والمسلمون جلوس تحت عقبيك" فكسره. لكنهم ما لبثوا أن أقاموا المنابر في المساجد. روى المقريزي (٢: ٢٤٨) عن والي مصر قرة بن شريك العبسي أنه نصب منبرًا جديدًا في السنة ٩٤هـ (٧١٣م) . (قال) "وذكر أنه حمل إليه من بعض كنائس مصر وقيل أن زكريا بن برقنى ملك النوبة النصراني أهداه إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرج وبعث معه نجارًا حتى ركبه واسم هذا النجار بقطر من أهل دندرة ولم يزل هذا المنبر في المسجد حتى زاد قبرة بن شريك في الجامع فنصب منبرًا سواه".

1 / 173