القسم الأول في تاريخ النصرانيّة وقبائلها في عهد الجاهليّة الفصل الأول تاريخ النصرانية في جزيرة العرب هيّا بنا الآن بعد هذه المقدمات الوجيزة نبحث عن النصرانية وآدابها بين العرب الجاهلية وهما البحثان اللذان جعلنا الفصول السابقة كتمهيد لهما. الباب الأوَّل مبادئ النصرانية بين العرب قلنا في مطلع كلامنا أنَّ الأفادات التي خلّفها كتبة العرب عن الأديان الشائعة في جزيرتهم قبل الإسلام نزرة قليلة. وهذا القول يصحُّ أيضًا في النصرانيّة مع أنها كانت أقرب إليهم عهدًا فإذا ذكروا الدين المسيحي لا يكادون يذكرون من تاريخه غير شيوعه في بعض القبائل. هذا إذا اعتبرت فصولهم الوجيزة التي خصّوها بالأديان. بيد أنهم في عرض كلامهم عن بعض عادات العرب وقصصهم وأمثالهم لهجاتهم حدا بهم الامر إلى أن يأتوا بمعلومات أخرى عديدة تجدها متفرقة متشعّثة في تآلفهم لم يجمعها حتى الآن العلماء المستشرقون لإنشغالهم بالبحث عن آلهة العرب وعن فك رموز ديانتهم القديمة ونشر ما وجد السائحون في بلادهم من الكتابات الحجريّة في اللغات الحميريذة والنبطيّة والصفوية فضلًا عن اليونانيّة واللاتينية أو ما استخرجوه بالحفر من الآثار بعد مخاطرتهم بالحياة. وكذلك ورد في كتب نصارى أهل الشرق ولا سيما قدماء الروم والسريان وبعض الكتبة اللاتينيين فوائد شتى عن النصرانية في أنحاء العرب دوّنوها في معرض رواياتهم التاريخية وأوصافهم الاجتماعية ورحلهم العلمية وفي أخبارهم عن أولياء الله القديسين الشهداء أو النّساك المتعبدين في بوادي العرب مما رأوه بالعيان أو استفادواه من شهود عيانيين أو كتبة موثوق بهم فهذه المعلومات أأيضًا عظيمة الشأن غالية الأثمان لم تجمع حتى اليوم تمامًا وإنما روى منها بعض الكتبة فصولًا تحتاج على توسيع وتكملة نخص منها بالذكر الكتب والمقالات الآتية ما عدا ما ذكر من ذلك في التآليف التي عدّدناها سابقًا: ١ أعمال البولنديين: مقالات الأب كربنتيه اليسوعي في النصرانية بين العرب ١- E.Carpentier S.j.: De SS. Aretha et Ruma Commentarius (Acta SS.، X، Octob.، ٦٦١ - ٦٩٧) . ٢ أصول النصرانية في بلاد العرب للعلامة رَيْت. ٢- Wright: Early Christianity in Arabia، London ١٨٥٥. ٣ الشرق المسيحي للأب لوكيان ٣- Lequien: Oriens Christianus. ٤ دي ساسي: مقالة عن تاريخ العرب قبل محمّد ٤- Le Bon de Sacy (S.): Memoire sur l'Hisloire des Arabes avant Mabomet. ٥ تاريخ الدولة العربية بين المسيح ومحمد. ٥- J.J Reiskii: Prima linea Historia Regnorum Arabicorum inter chris-tum et Modammedem. اعلم أن أقدم الآثار النصرانية كما لا يخفى الأناجيل الأربعة وتاريخ أعمال الرسل للقديس لوقا ورسائل بعض التلاميذ الرب الأوّلين. وكلها من القرن الأول للمسيح كما يقرّ به معظم العلماء من الإباحيين فضلًا عن المؤمنين وإن كان أولئك يخالفون الكاثوليك في تعيين سنة كتابة هذه الأسفار وأصحابها. فهذه الآثار لا تخلو من الدلائل على أن العرب نالوا من أنوار النصرانيّة منذ بزوغ شمسها. ولعا أول من استحقّ أن ينظم من العرب بين تبعة السيد المسيح أولئك الشيوخ الذين عرفوا بالمجوس الذين فأتوا إلى بيت لحم وأهدوا الرب ألطافهم وسجدوا له في مهده كما أخبر متى في إنجيله (ف٢) . إما كونهم من العرب أو على الأقل يعضهم فلنا على ذلك عدة بيّنات ترجح هذا الرأي إن لم تجزم به قطعيًا. فمن ذلك أقدم نصوص الآباء والكتبة الكنسيين من القرن الثاني للمسيح إلى القرن الخامس الذين يجعلونهم عربًا كالقديس يوستينوس في القرن الثاني في مباحثه مع تريفون. وترتوليان المعلم في كتابيه ضد اليهود (ف٩) وضد مرقيون (ك٣ف١٣) . وكالقديس قبريانوس في القرن الثالث في ميمره عن كوكب المجوس. وكالقديس أبينانوس في القرن الرابع في شرحه لدستور الإيمان (عدد٨) . والقديس يوحنا فم الذهب معاصره في الميمر الثاني على شرح الإنجيل متّى.

1 / 1

وهكذا فسر هؤلاء الكتبة آية أشعيا النبي عن المسيح (ف٦٠ ع٦): "كثرة الإبل تغشاك بكران مدين وعيفة كلذهم من شبأ يأتون حاملين ذهبًا ولبانًا يبشّرون بتسابيح الرب" وسبق داؤد فقال (مز ٧١): "ملوك سبأ يقربون له العطايا". فإن مدين وعيفة وشبأ كلها تدل على نواحي العرب. وعليها تدل أيضًا الألطاف التي قدّمها هؤلاء المجوس للمسيح أي الذهب واللبان والمر وكلّها من مرافق بلاد العرب. فإن ذهب أنحاء العرب كان مشهورًا وتنبأ داؤد بتقدمته للمسيح (مز ٧١) فقال: "يؤدون إله من ذهب شبأ". أما اللبان والمرّ فلا يكادان يستخرجان من غير جزيرة العرب فيتّجر بها أهلها كلها شهد على ذلك قدماء الكتبة بعد سفر التكوين (٣٧:٢٥) . ثم يؤيد هذا الرأي قول المجوس في الإنجيل لهيرودس بأنهم رأوا نجم المسيح في لاشرق فأتوا ليسجدوا له. فقولهم "في الشرق" يدلّ على بلاد العرب أكثر من سواهم لوقوعها شرقي فلسطين فضلًا عن ركوب العرب يعرفون بالأسفار المقدّسة ببني الشرق (وبالعبرانية..... بمعناها) بل شاع هذا الاسم عند الرومان واليونان فاشتقوا منه Sarraceni ووزد على ذلك أنّ النجم الذي رآه المجوس هو الكوكب الذي وسبق أنبأهم به بلعام في مشارف مؤاب (سفر العدد ٢٤:١٧) لما قال: "أنه سيطلع كوكب من يعقوب ويقوم صولجان من اسرائيل". فتحققت النبوءة حيث تنبأ بها بلعام مرغومًا فتناقل العرب نبؤته ابنًا عن أب وراقبوا كوكبه حتى رأوه. ولا بأس من كون هؤلاء القادمين إلى مهد المسيح يدعون مجوسًا. فإن هذا الاسم كان يطلق عند العبرانيين على حكماء الشرق عمومًا وكثيرًا ما أثنى الكتاب الكريم على حكمه العرب في سفر أيوب وسفر الملوك الثالث (٣٠:٤) وسفر باروك (٢٣:٣) . وقد شهد كتبة اليونان بأنّ فيثاغورث الفيلسوف رحل إلى جزيرة العرب ليأخذ الحكمة عن أهلها. بل صرّح بلينيوس الطبيعي بأن بلاد العرب كانت بلاد مجوس. وفي الإنجيل الطاهر شاهدٌ آخر على سبق العرب في معرفة السيد المسيح وذلك ذكر المبشّرون متى (ف٤ عدد ٢٤ ٢٥) ومرقس (٧:٣) ولوقا (١٧:٦) في جملة الجموع المتقاطرة إلى استماع تعاليم الرب أهل آدوم والمدن العشر وما وراء الأردن. فلا شك أن صيته يكون بلغ العرب القاطنين في تلك الجهات. بل ذكر الإنجيل (متى ٣١:٨ ومرقس ٣١:٧) أن المسيح عبر الأردن وتجوّل في المدن الواقعة ما وراء ذلك النهر ومرّ بالمدن العشر (وضع الآيات في بقعة الجرجاسيين. وكان أهل الحضر والمدن من العرب يسكنون تلك الأنحاء فلا يقبل العقل أنهم لم يقتبسوا شيئًا من أنوار ابن الله الكلمة. ثم ما لبث العرب أن نالوا نصيبًا من الدعوة المسيحية وذلك يوم حلول الروح القدس على التلاميذ في العليّة الصهيونيّة كما اختبر القديس لوقا في سفر الأعمال (ف٢) فإنه صرّح بأنّ العرب كانوا في جملة الذين عاينوا آيات ذلك اليوم الشريف وسمعوا الحواريين يتكلّمون بلغتهم العربية. فلا جرم أنّ بعضًا منهم كانوا في عداد الثلثة الآلاف المصطبغين ذلك اليوم (أعمال ٤١:٢) فلما عادوا إلى بلادهم نضروا بين مواطنيهم ما رأوا وسمعوا من أمر المسيح وتلاميذه. وبعد مدة قليلة أثار اليهود على تلامذة الرب تلك الاضطهادات التي ذكرها صاحب الأعمال (ف٨) فكانت على شبه الرياح التي تقوي الشجرة النامية وتؤصل جذورها في الأرض وتنقل ب١ذورها إلى أمكنة أخرى فتزداد وتتوفّر. وأول من يذكر من الرسل أنه دخل بلاد العرب هو الإناء المصطفى القديس بولس فإنه أخبر عن نفسه في رسالته إلى أهل غلاطية (ف١ع١٧) أنه بعد اهتدائه إلى الإيمان بظهور السيد المسيح له على طريق دمشق واعتماده على يد حنانيّا التلميذ الذي هرب من دسائس اليهودإلى جزيرة العرب حيث أقام مدة. فمن البديهي أنّ ذلك الرسول الذي خصّه الله بدعوة الأمم باشر منذ ذاك الحين بالتبشير إلى النصرانيّة من رآهم من العرب مستعدين لقبول دير الخلاص لئلا يحل به ذاك الويل الذي كان يوجس منه فزعًا حيث قال (١ كور ١٦٩) الويل لي إن لم نبشر. عليه فنصادق على قول الذين يجعلون بولس الرسول كأحد رسل العرب. وقد عدّه بعض كتبة الروم كأول الدعاة على المسيح في بصرى حاضر حوران.

1 / 2

ولما جرى نحو السنة خمسين للمسيح افتراق الرسل إذ ساروا إلى قطار المعمور ليقوموا بمهمة التبشير التي أمرهم بها سدهم كان لبلاد العرب نصيب حسن في هذه القسمة المباركة فإن التقاليد القديمة تتواصل وتتفق على أن بعض الرسل تلمذوا أمم العرب وقبائلهم من جهات مختلفة وقد جمع العلّامة يوسف السمعاني في مكتبته الشرقية في المجلد الثالث القسم الثاني (Bibl. Or. III٢، I-٣٠) كثيرًا من شواهد كتبة اليونان الشام وجهات طور سيئا واليمن والحجاز والعراق يذكرون منهم متى وبرتلماوس وتدّاوس ومتّيّا وتوما. وقد نقل بعض هذه الشواهد المؤرخين المسلمون نفسهم كالطبري في تاريخه (ج١ص ٧٣٧ ٧٣٨) وأبي الفداء في تاريخه (٣٨:١ والمقريزي في الخطط (٤٨٣:٢) وابن خلدون في تاريخ العبر (٤٧:٢) والمسعودي في مروج الذهب (١٢٧:١) . هذا فضلًا عن بعض تلاميذ الرسل كفيليبس الشمّاس وتيمون وادي أو تدّاي ممن تناقل الرواة خبر بشارتهم بين العرب. وكفى دليلًا بهذه الشواهد المتعددة على أن الدعوة النّصرانية التي امتدّت إلى أقاصي المعمر لم تهمل جزيرة العرب القريبة بسكانها امتزاج الماء بالروح فيعاملونهم ويتاجرونهم. وقد ذكر القديس ايرونيموس في شروحه على نبوة ارميا (ف٣١) ونبوة ذكريا (ف١١) أنّ أسواقًا سنويًا كانت تقام قريبًا من سيحم (نابلس) يأتي إليها عدد عديد من نصارى ويهود ووثنيين يقصدونها للمتاجرة من بلاد الشام وفينيقية والعرب. فلا تتعدى إذن طورنا إن أكدنا انتشار النصرانيّة في بلاد العرب منذ عهد الرسل. وبذلك تحققت نبؤات الأنبياء الذين سبقوا وتنبّأوا باهتداء العرب وإيمانهم بالمسيح. قال النبي أشعيا بعد وصفه العجيب للسيد المسيح (ف١١ ع١ ١٠) ذاكرًا للشعوب التي تقبل شريعته فجعل منها آدوم ومؤاب. وكرر ذلك في الفصل ٤٢ وعدّد قبائل قيدار وبلاد سلع (Petra) وفي الفصل ٦٠ ذكر بين المستنيرين بأنوار أورشليم وملكها الموعود مدين وعيفة وسبأ وقيدار والنبط وفيه يذكر قدومهم على المسيح ليهدوه الطافهم من ذهب ولبان. وكان النبي داؤد (في مزموريه٦٧ ع٣٢ و٨٠:٧١ ١٠) سبق أشعيا في ذكر سجود العرب للمسيح وطاعتهم له. ومثلما ارميا في فصله التاسع حيث ذكر "افتقاد الرب للأمم المختونين مع الغلف ... أدوم وبني عمّون وموآب وكلّ مقصوصي الزوايا الساكنين في البريّة". وفي السنة ٧٠ للميلاد تمت نبوة المسيح عن خراب أورشليم فلم يبق فيها حجر على حجر وتفرّق بقايا اليهود شذرمذر بعد أن قتل منهم وسبي الألوف ومئات الألوف الّا أن من كانوا تنصّروا منهم كانوا بأمر الرب سبقوا أو خربوا من المدينة وعبروا الأردن وسكنوا في مدن العرب التي هناك كما أخبروا أسابيوس المؤرخ (١. فاستوطنوا تلك الأسقاع وكان يرعاهم أساقفة من جنسهم. وقد وجد أصحاب الآثار في أيامنا عددًا دثرًا من كتبهم الدينيّة كالأناجيل الأربعة وبعض أسفار التوراة وقطعًا طقسية وأناشيد وصلوات وغير ذلك مما يشهد على نصرانيتهم وسكناهم زمنًا طويلًا في تلك النواحي. وهذه البقايا كانت مكتوبة باللغة الفلسطينية أي الآرامية الشائعة في فلسطين. ولا ريب أن العرب الذين حلّ بينهم هؤلاء النصارى أخذوا شيئًا من تعاليمهم واستضاؤوا بأنوار دينهم وإذا استفتينا أقدم آثار النصرانية وما كتبه آباء الكنيسة الأولون في القرون الأولى للميلاد وجدناهم يذكرون الدعوة المسيحية في جزيرة العرب إما تعرضًا وإما تصريحًا فمن تنويههم بذلك قولهم بأن الإيمان المسيحي "منتشر في العالم كله" فإن صح هذا القول في البلاد القاصية حتى الهند والعجم وجزائر البحر أفلا يكون أيضًا صح بالحري في بلاد العرب المجاورة لمنبع الدعوة المسيحية. فترى القديس مرقس في آخر إنجيله (٢٠:١٦) مؤكدًا بأن تلاميذ الرب "خرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات" وبعده بقليل كان يشكر بولس الرسول أهل الرومية في رسالته غليهم (٨:١) "على أن إيمانهم يبشروا به في العالم كله". وفي رسالة القديس اغناطيوس النوراني تلميذ الرسل إلى أهل أفسس (PP. GG.، V، col. ٦٤٧) يذكر "الأساقفة الذين يرعون المؤمنين في العالم كله ويتفقون جميعًا بالإيمان". ومثله معاصره القديس بوليكربوس الذي كان يدعو المسيح "راعيا

1 / 3

ص للكنيسة الكاثوليكية المنتشرة في العالم كله" (ibid.، col. ١٠٣٥) فهذه النصوص وغيرها كثيرًا تثبت صريحًا انتشار الدين المسيحي في الألم كله فتشمل أيضًا بلاد العرب ولولا ذلك لما أمكن القديس أوغسطينوس أن يقول في شرحه على المزمور ٦٦ (PP.LL.T.٣٦،COL.، ٦٦٩) "ونحن الكاثوليك منبثون في الأرض كلها لأننا نعلن بكل مكان ما للسيد لمسيح من المجد ونشترك به" ولما استطاع قبله كيرس الأورشليمي أن يقول في تعليمه الثامن عشر (PP.GG.،T. ٣٣،COL.١٠٤٣): "تدعى كنيستنا كاثولوكية لأنها منتشرة في كل المسكونة من أقاصي تخوم الأرض إلى أقصى حدودها". وسبقها القديس قبريانوس فقال في كتاب وحدة الكنيسة (PP. LL.، IV.COL.٥٠٢): "أن الكنيسة تلقي أشعتها في كل المعمورة". وقال معاصر القديس إيريناوس في كتابه ضد المراهقات (PP. GG. VII>COL. ٥٥٠): "أن الكنيسة المنتشرة في سائر العلم قد ورثت الإيمان من الرسل وحفظته بكل حرص". وزاد هؤلاء إيضاحًا في أواسط القرن الثاني للمسيح القديس يوستينوس الشهيد من أهل نابلس في مباحثته مع تريفون اليهودي (PP. GG.، VI. COL.٧٥٠) فعدّ بين دانوا بدين المسيح "الساكنين في الخيم وأهل البادية" قال: "ليس مطلقًا جنس من البشر سواء كانوا من اليونان أو البرابرة وبايّ اسم تسمّوا حتى العائشين في العربات (الاسقيثيين) والساكنين في الخيم الذين يرعون المواشي وأهل البادية الذين لا يحلون في بيت الّا وبينهم جموع يقدمون الصلوات والقربات للرب باسم يسوع المصلوب" وقال إيريناوس معددًا الشعوب التي دخلت بينهم النصرانية (PP. GG. VII. COL. ٥٥٤) وقد دعا العرب بأهل الشرق كما روى مفسّروه: "هذا الإيمان المسيحي هو اليوم منبث في العالم كله ... فترى الألسنة مختلفة والنفس واحدة والقلب واحد سواء اعتبرت آل جرمانية أو الايبريين أو القلتيين أو سكّان الشرق أو مصر أو ليبية والأمم التي في أواسط الدنيا فكلهم يعتقدون اعتقادًا واحدًا يشبه إيمانهم التي تضيء العالم كله وهي واحدة". وللمعلم ترتيليان في أوائل القرن الثالث نصوص متعددة يؤكد انتشار النصرانية بين كل شعوب زمانه مهما كانت بعيدة أو مجهولة فما قولك بالعرب؟ قال في كتابه إلى الأمم (Ad Nationes، c.٨) "تأملوا أنه لا يوجد اليوم أمة إلا ودخلت النصرانية (non ulla gens non christiana) . وفي الفصل السابع من رده على اليهود يعدد في جملة المتنصرين ليس فقط الأمم الخاضعة للرومان ولكن غيرها كثيرة كالسرماتيين والداقيين والجرمانيين والاسقيثيين وقبائل مجهولة وأقطار متفرقة وجزائر البحر ففيها كلها يعرف اسم المسيح وفيها يملك" وكثيرًا ما دعا الكتبة جزيرة العرب باسم الهند لاسيما الجهات اليمن وقد شاع هذا الاسم بهذا المعنى (اطلب البولنديين في المجلّد العاشر من أعمال القديسين من شهر ت١ص ٦٧٠) . وإليها أشار القديس يوحنا فم الذهب في رده على اليهود (PP.GG.، XXX. ٥٠٠) قال: "انظر بأي سرعة انتشرت الكنيسة في كل أطراف المسكونة وبين كل شعوب وذلك بمجرد فضل الاقناع حتى أن أممًا كثيرة تركت أديانها وتعاليم أجدادها وشيدت هياكل لتعبد فيها الرب فمنها ما هو واقع في ممالك الرومان كالاسقيثيين والمغاربة وأهل الهند ومنها ما هو خارج عن تخوم الرومان إلى جزائر بريطانية وأقاصي العالم". وبعضهم قد دعوهم صريحًا باسم العرب أو الاسماعليين.

1 / 4

قال ارنوبيوس في القرن الثالث للمسيح يذكر الشعوب الوثنية التي بشّر بينها الرسل فأنشئت الكنائس لمن تنصّر منهم (ك٢ ف٥ و١٢): "انظر العجائب التي جرت في أنحاء المعمورة منذ ظهور المسيح حتى أنه لا يكاد يوجد الآن أمّة عريقة بالهمجية إلّا لطّفت خشونتها محبّة به واخضعت عقلها للإيمان بتعاليمه فاتفقت على ذلك أجيال الناس المتباينة المختلفة طباعًا وآدابًا. ومما نقدر أن نحصيه من هذه الشعوب أهل الهند والصين والفرس والماديين والذين يسكنون في بلاد العرب ومصر وجهات آسية وسوريا. وفي كل الجزائر والأقاليم".فترى أنه أحصى بلاد العرب في جملة دان للمسيح في ذلك العهد. وقد ذكرهم المؤرخ سوزمان (PP.GG.T، ٦٧، ١٤٧٦) في القرن الرابع وأفاد "أن بعض قرى العرب ودسا كرههم يوجد فيها أساقفة". وكذلك صرّح بذكرهم تاودوريطس في القرن الخامس في كتابه المعروف بدواء اضاليل اليونان (PP. GG. T، ٨٨، P. ١٠٣٧) قال: "ليس فقط قد خضعت للمسيح الأمم الخاضعة لشرائع الرومان كالحبش المتخمين لتيبة وقبائل الاسماعليين ... بل غيرهم من الأمم احنوا رؤوسهم لتعاليم الصيادين وشرائع الإنجيل كالسرماتيين والهنود والعجم والصينيين (Serae) والبريطانيين والجرمانيين". وقال مثل ذلك في محل آخر في كتابة المسمى التاريخ الرهباني (PP. GG. T،. ٨٢، P. ١٤٧١) . الباب الثاني النصرانية بين عرب الشام إذا نظرت في خارطة إلى بحر الشام وحدّدت مدينتيه الساحليتين طرابلس شمالًا وعكّا جنوبًا ثم سرت منها على خطّين متوازيين على الشرق بلغ بك المسير بعد مرحلتين من طرابلس وثلاث إلى أربع مراحل من عكّا إلى مفارز متّسعة تمتد على مدى البصر إلى جهة تدمر فالفرات شمالًا وإلى مشارف الشام فاللجا وتلال الصفا حتى جبال حوران وسهول البلقان جنوبًا فكل تلك النواحي الرحبة الأرجاء التي تقيس نحو أربعمائة كيلو متر طولًا مثلها عرضًا تعرف اليوم ببادية الشام. ولم تكن هذه البادية في سالف الأجيال قفرة قليلة السكان لا تكاد تجد فيها كاليوم غير قرى معدودة أو بعض أحياء البدو الذين يتنقلون فيها مع مراشيهم انتجاعًا للمراعي. وإنما كانت بعد تملك الرومان عليها أوائل التاريخ المسيحي أصبحت كروضة غنّاء شيد فيها أصحابها المدن العامرة لسكنى الأهلين وابتنوا الحصون الحريزة تأمينًا للطرق وعزّزوا الزراعة والفلاحة وانبطوا الآبار وحفروا الصهاريج لجميع مياه الأمطار وخدّدوا القني لسقي المزروعات. والآثار الباقية من هذه الأعمال إلى يومان تنطق بعمر أن تلك الأصقاع وحضارتها الراقية. أما سكّانها فكانوا من عناصر شتى بينهم الرومان المستعمرون لا سيما من الجنود الذين اتمّوا مدّة خدمتهم ثم جالية اليونان من بقايا الدول السابقة منذ عهد الاسكندر والسلوقيين ثم الوطنيّون والفنيقيّون الذين احتلوا تلك البلاد لاستثمارها والمتاجرة فيها وكانت تلك الانحاء أوفق ما يتمناه العرب لسكناهم فترى أهل الحضر منهم يسكنون القرى ويتعاطون اشغال الفلاحة. أما أهل الوبر فكانوا يرعون مواشيهم في الأرياف ويرتزقون بلحومها وألبانها وأصوافها. فيها عددهم حتى رسخت قدمهم وصارت إليهم الأمر.

1 / 5

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.