أما النقض ففي الأول من وجوه الأول وهو الحق أن الوجوب من حيث الداعي والإرادة لا ينافي الإمكان في نفس الأمر ولا يستلزم الإيجاب وخروج القادر عن قدرته وعدم وقوع الفعل بها فإنا نقول الفعل المقدر للعبد يمكن وجوده منه ويمكن عدمه فإذا خلص الداعي إلى إيجاده وحصلت الشرائط وارتفعت الموانع وعلم القادر خلوص المصالح الحاصلة من الفعل عن شوائب المفسدة البتة وجب من هذه الحيثية إيجاد الفعل ولا يكون ذلك جبرا ولا إيجابا بالنسبة إلى القدرة والفعل لا غير.
الثاني
يجوز أن يترجح الفعل فيوجده المؤثر والعدم فيعدمه ولا ينتهي الرجحان إلى الوجوب على ما ذهب إليه جماعة من المتكلمين فلا يلزم الجبر ولا الترجيح من غير مرجح. قوله مع ذلك الرجحان لا يمتنع النقيض فليفرض واقعا في وقت نهج الحق ص : 123فترجيح الفعل وقت وجوده يفتقرإلى مرجح آخر قلنا ممنوع بل الرجحان الأول كاف فلا يفتقر إلى رجحان آخر.
الثالث
لم لا يوقعه القادر مع التساوي فإن القادر يرجح أحد مقدرويه على الآخر من غير مرجح وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلمين وتمثلوا في ذلك بصورة وجدانية كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه فإنه يتناول أحدهما من غير مرجح ولا يمتنع من الأكل حتى يترجح لمرجح والعطشان يحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه والهارب من السبع إذا عن له طريقان متساويان فإنه يسلك أحدهما ولا ينتظر المرجح وإذا كان هذا الحكم وجدانيا كيف يمكن الاستدلال على نقيضه.
الرابع
أن هذا الدليل ينافي مذهبهم فلا يصح لهم الاحتجاج به لأن مذهبهم أن القدرة لا تصلح للضدين فالمتمكن من الفعل يخرج عن القدرة لعدم التمكن من الترك وإن خالفوا مذهبهم أن القدرة لا تتقدم على المقدور عندهم وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل لزمهم إما اجتماع الضدين أو تقدم القدرة على الفعل فانظر إلى هؤلاء القوم الذين لا يبالون في تضاد أقوالهم وتعاندها.
مخ ۷۳