يحسن أن يجيبه بذلك إذا علم عموم استفهامه بطريق منفصل ، فما الدليل على ما ادعيتموه.
والذي يوضح ما ذكرناه أنه يحسن إذا قيل له : «من عندك» أن يقول : أمن النساء أو الرجال؟ ومن الأحرار أو العبيد؟ وكذلك إذا قيل له : ما أكلت؟ يقول : أمن الحلو أو الفاكهة؟ ومن كذا أو كذا؟ وهذا يدل على اشتراك اللفظ بين العموم والخصوص.
وأما قولهم : «جاز أن يكون ذكر بعض العقلاء كذكر بعض البهائم» فباطل ، وذلك أن لفظة «من» عندنا وإن لم تكن موضوعة لوجوب استغراق العقلاء ، فهي تصلح لأن يقصد بها إلى الاستفهام عن جميعهم ، كما يصلح أن يقصد بها إلى الاستفهام عن بعضهم ، وهي حقيقة في الأمرين ، ولا يصلح في وضع اللغة للاستفهام بها عن البهائم.
وليس معنى قولنا أنها لا تصلح هو أن المتكلم لا يصح أن يقصد بها إلى ذلك ، فتكون عبارة عنه ؛ لأنه لا لفظ من الألفاظ إلا ويمكن أن يقصد به إلى كل معنى ، فيكون عبارة عنه ، وإن لم يصلح له ، ومعنى قولنا أنها لا تصلح أي لا تكون حقيقة في ذلك متى قصد بها إليه ، ويكون المتكلم بها عادلا عن مذهب أهل اللغة.
فأما عدولهم عن ألفاظ الاستفهام إلى لفظة «من» فلأنهم لا يبلغون بغيرها ما يبلغون بها ، وذلك أن الاستفهام بذكر كل واحد باسمه إما أن لا يمكن ، أو يطول ، وليس في سائر الألفاظ ما يصلح أن يقصد به إلى الاستخبار عن سائر العقلاء جمعا وافترقا إلا لفظة «من» ، فهذه مزية لها على غيرها ظاهرة.
ومما يبطل ما ادعوه من قيامها مقام ذكر كل عاقل بعينه ، أنه لو كان كذلك لقبح من الاستفهام عند ذكر هذه اللفظة ما يقبح مع ذكر كل عاقل بعينه ، وقد علمنا حسن أحد الأمرين وقبح الآخر.
والجواب عما ذكروه ثانيا : أن المعروف في الاستثناء من مذهب أهل اللغة
مخ ۱۴۰