تقدمه إلا فيما استحسن منهم، واستجيد لهم، واختير من كلامهم، أو في المتوسط السالم إذا لم يقدر على الجيد البارع، ولا يوقع الاحتطاب والاستكثار مما جاء عنهم نادرًا ومن معانيهم شاذًا، ويجعله حجة له وعذرًا؛ فإن الشاعر قد يعاب أشد العيب إذا قصد بالصنعة سائر شعره، وبالإبداع جميع فنونه؛ فإن مجاهدة الطبع ومغالبة القريحة مخرجةٌ سهل التأليف إلى سوء التكلف وشدة النعمل، كما عيب صالح بن عبد القدوس وغيره ممن سلك هذه الطريقة حتى سقط شعره؛ لأن لكل شيء حدًا: إذا تجتوزه سمى مفرطًا، وما وقع الإفراط في شيء إلا شانه، وأعاد إلى الفساد صحته، وإلى القبح حسنه وبهاءه، فكيف إذا تتبع الشاعر مالا طائل فيه: من لفظة شنيعة لمتقدم، أو معنى وحشي فجعله إمامًا، واستكثر من أشباهه، ووشح شعره بنظائره؟ إن هذا لعين الخطأ، وغايةٌ في سوء الاختيار.