قال القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي حدثني أبو الفرج الأصبهاني من حفظه قال: قرأت في بعض أخبار الأوائل أن الاسكندر لما انتهى إلى الصين ونازل ملكها، أتاه حاجبه، وقد مضى من الليل شطره فقال له: رسول ملك الصين بالباب يستأذن عليك فقال: ائذن له، فلما دخل وقف بين يديه وسلم، وقال: إن رأى الملك أن يخليني فليفعل، فأمر الاسكندر من بحضرته بالانصراف وبقي حاجبه فقال له الرسول: إن الذي جئت له لا يحتمل أن يسمعه غيرك، فأمر بتفتيشه ففتش، فلم يوجد معه شيء من السلاح، فوضع الاسكندر بين يديه سيفا مجردا وقال له: قف مكانك وقل ما شئت، ثم أخرج كل من كان عنده، فلما خلا المكان قال له الرسول: إني ملك الصين لا رسوله، وقد حضرت أسألك عما تريده مني، فإن كان مما يمكن الانقياد إليه، ولو على أصعب الوجوه أجبت إليه، وغنيت أنا وإياك عن الحرب، فقال له لاسكندر: وما أمنك مني؟ قال: علمي بأنك رجل عاقل، وإنه ليس بيننا عداوة متقدمة، ولا مطالبة بذحل، وإنك تعلم أن أهل الصين إن قتلتني لا يسلمون ملكهم إليك، ولا يمنعهم عدمهم إياي أن ينصبوا نفسهم ملكا غيري، ثم تنسب أنت إلى عين الجهل وضد الحزم.
فأطرق الاسكندر مفكرا في مقالته، وعلم أنه رجل عاقل. ثم قال له: الذي أريده منك ارتفاع ملكك لثلاث سنين عاجلا، ونصف ارتفاعه في كل سنة، فقال: هل غير ذلك شيء؟ قال: لا، قال: قد أجبتك. قال: فكيف تكون حالك حينئذ؟ قال: أكون قتيل أول محارب، وأكلة أول مفترس قال: وإن قنعت منك بارتفاع سنتين كيف يكون حالك؟ قال: أصلح مما يكون إذا لزمت بما تقدم ذكره. قال: فإن قنعت منك بارتفاع سنة واحدة، قال: يكون ذلك مجحفا بملكي ومذهبا لجميع لذاتي: قال: فإن اقتصرت منك على السدس. قال: يكون السدس موفرا والباقي لجيشي ولأسباب الملك، قال: فقد اقتصرت منك على هذا فشكره وانصرف. فلما أصبح وطلعت الشمس أقبل جيش الصين حتى طبق الأرض، وأحاط بجيش الاسكندر حتى خافوا الهلكة، وتواثب أصحابه فركبوا واستعدوا للحرب، فبينا هم كذلك إذ ظهر ملك الصين وعليه التاج، فلما رأى الاسكندر ترجل، فقال له الاسكندر: أغدرت؟ قال: لا والله. قال: فما هذا الجيش؟ قال: أردت أن أعلمك أني لم أطعك من قلة ولا ضعف، ولأن ترى الجيش وما غاب عنك منه أكثر، لكني رأيت العالم الأثير مقبلا عليك ممكنا لك، فعلمت أنه من حارب العالم الأثير غلب، فأردت طاعته بطاعتك، والذلة لأمره بالذلة لك، فقال الاسكندر: ليس مثلك من يؤخذ منه شيء، فما رأيت بيني وبينك أحدا يستحق التفضيل والوصف بالعقل غيرك، وقد أعفيتك من جميع ما أردته منك، وأنا منصرف عنك، فقال ملك الصين: أما إذا فعلت ذلك فلست تخسر، فلما انصرف الاسكندر أتبعه ملك الصين من الهدايا والألطاف بضعف ما كان قرره معه.
حكاية
</span>
مخ ۱۳