مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
مثل حديث القرد الذي كان في السفينة في عهد بني إسرائيل مع رجل كان يبيع الخمر لأهل السفينة ويشوب الخمر بالماء، وأنه جمع من ذلك دراهم كثيرة، وأن القرد قبض على الكيس الذي كانت فيه الدراهم وصعد على الدقل، وهو صارى المركب ويدعى بالعراق الدقل، فحل الكيس ولم يزل يرمي درهما إلى الماء ودرهما إلى السفينة، حتى قسم ذلك نصفين. ومثل ما روي الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قد رواه عن فاطمة بنت قيس عدة من الصحابة، وهو خبر تميم الداري، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عنه أنه أخبره أنه ركب البحر في جماعة من بني عمه في سفينة، فأضل بهم البحر وألقاهم إلى جزيرة فخرجوا من السفينة إلى الجزيرة فنظروا إلى دابة عظيمة قد نشرت شعرها، فقالوا لها: أيتها الدابة، ما أنت؛ فقالت: أنا الجساسة التي أخرج آخر الزمان، وذكروا عنها كلاما غير هذا، وأنها قالت: عليكم بصاحب القصر، فنظروا فإذا هم بقصر من حاله ووصفه كذا، وإذا هم برجل بالحديد والقيود مسلسل إلى عمود من حديد وصفة وجهه كذا، وأنه خاطبهم وساءلهم، وأنه الدجال، وأنه أخبرهم بجمل من الملاحم، وأنه لا يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما ذكر في هذا الحديث وغيره مما ورد من الأخبار في معناه، وهذا باب كبير يتسع وصفه ويعظم شرحه.
عود إلى ذكر أرباع العالم والطبائع
ثم رجع بنا القول إلى ما كنا فيه آنفا من ذكر أرباع العالم والطابع،وما اتصل بهذا المعنى، وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب جوامع من الكلام في الطبائع وغيرها مما ينبه على عظم هذا الباب ومبسوطه؛وقد زعم جماعة ممن تقدم وتأخر من الأطباء ومصنفي الكتب في الطبيعيات وغيرها أن للطعام ثلاثة انهضامات: أما الأول فهي المعدة فإن المعدة تهضم الطعام فتأخذ قوته فيصير مثل ماء الكشك، ثم تدفعه إلى الكبد ثم يدفعه الكبد في العروق إلى جميع الجسد كاندفاع الماء من النهر إلى السواقي والمشارب، فتهضمه أعضاء الجسد التالية، فتصيره إلى شبهها اللحم لحما والشحم شحما، وكذلك العروق والعصب وما سوى ذلك وأن إقتارها إذا استوت استوت أقدار القوى وإذا استوت القوى استوى الجسد واعتدل ويصح بإذن الله تعالى.
فصول السنة وأثر كل منها
وأن الزمان أربعة فصول: الصيف، والخريف، والشتاء والربيع فالصيف يقوي المرة الصفراء ويكثر اهتياجها، والخريف يقوي السوداء والشتاء يقوي البلغم، والربيع يقوي الدم.
ثم ينقسم عمر الإنسان أربعة أقسام: الصبا وفيه يقوى الدم والشباب وفيه تقوى المرة الصفراء، والكهولة وفيها تقوى السوداء والشيخوخة وفيها يقوى البلغم.
وأن البلدان أيضا تنقسم على أربعة أقسام: المشرق وطبيعته الحرار والرطوبة، وفيه يقوى الدم، والجنوب وطبيعته البرودة واليبس، وفيه تقو؛ المرة السوداء، والغرب وطبيعته البرودة والرطوبة وفيه يقوى البلغم والتيمن وطبيعته الحرارة واليبس، وفيه تقوى المرة الصفراء، وأن بنية الأصول من الجسد ربما كانت مستوية معتدلة الأخلاط، وربما كان أغلب الأخلاط أغلب في البنية فتظهر قوته بأعل أمه حتى يكون مقويا لذلك الخلط إذا هاج.
وقد قال أبقراط: ينبغي أن يكون كل شيء في هذا العالم مقدر أعلى سبعة أجزاء، فالنجوم سبعة، والأقاليم سبعة والأيام سبعة وأسنان الناس سبعة: أولها طفل، ثم صبي إلى أربع عشرة سنة، ثم غلام إلى أحد وعشرين سنة، ثم شاب ما دام يشب ويقبل الزيادة إلى خمس وثلاثين سنة، ثم كهل إلى الأربعين، ثم شيخ إلى سبع واربعين سنة، ثم هرم إلى آخر العمر.
الهواء وأثره في الإنسان والحيوان
وجميع تغير أحوال الحيوان من الناطقين وغيرهم فمن الهواء يكون ذلك.
وقد قال الحكيم أبقراط: إن تغير حالات الهواء هو الذي يغير حالات الناس: مرة إلى الغضب، ومرة إلى السكون، وإلى الهم والسرور وغير ذلك، وإذا استوت حالات الهواء استوت حالات الناس وأخلاقهم.
وقال: إن قوى النفس تابعة لمزاجات الأبدان، ومزاجات الأبدان تابعة لتصرف الهواء: إذا برد مرة وسخن أخرى خرج الزرع نضيجا ومرة غير نضيج، ومرة قليلا ومرة كثيرا، ومرة حارا ومرة باردا، فتتغير لذلك صورهم ومزاجاتهم، وإذا اعتدل الهواء واستوى خرج معتدلا، فاعتدل بذلك الصور والمزاجات.
الاستدلال بالأقاليم على تأثير الهواء
مخ ۲۵۹