225

مروج الذهب او معدن جواهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

يارب لطمة غدر قد سخنت بها ... بكف عمرو التي بالغمر قد غرقت ثم قال: والله لا أقيم ببلد صنع هذا بي فيه، ولأبيعن عقاري فيه وأموالي، فقال الناس بعضهم لبعض: اغتنموا غضبة عمرو، واشتروا منه أمواله قبل أن يرضى، فابتاع الناس منه جميع ماله بأرض مأرب، وفشا بعض حديثه فيما بلغه من شأن سيل العرم، فخرج ناس من الأزد وباعوا أموالهم، فلما أكثروا البيع استنكر ذلك الناس، فأمسكوا بأيديهم عن الشراء، فلما اجتمعت إلى عمرو بن عامر أمواله أخبر الناس بشأن سيل العرم، فقال أخوه عمران الكاهن: قد رأيت أنكم ستمزقون كل ممزق، ويباعد بين أسفاركم، وإني أصف لكم البلدان فاختاروا أيها شئتم، فمن أعجبه منكم صفة بلد فليصر إليها، من كان منكم ذاهم بعيد وجمل شديد ومزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد، فكان الذين نزلوه أزد عمان قال: ومن كان منكم ذاهم غير بعيد، وجمل غير شديد ومزاد غير جديد فليلحق بالشعب من كرود، قال: وهي أرض همدان، فلحق به وادعة بن عمرو، فانتسبوا فيهم، وقال الكاهن، ومن كان منكم ذا حاجة ووطر وسياسة ونظر، وصبر على أزمات الدهر، فليلحق ببطن مر، وكان الذين سكنوه خزاعة سميت بذلك لانخزاعها في ذلك الموضع عمن كان معها من الناس، وهم بنو عمرو بن لحي، فتخزعت هنالك إلى هذه الغاية، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:

ولما هبطنا بطن مر تخزعت ... خزاعة منا في ملوك كراكر

في شعر له طويل ومالك وأسلم وملكان بنو قصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء، وقال الكاهن: ومن كان يريد الراسيات في الرحل، المطعمات في المحل ، فليلحق بيثرب ذات النخل، وهي المدينة، وكان الذين سكنوها الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء، قال الكاهن: ومن كان يريد منكم الخمر والخمير، والديباج والحرير، والأمر والتدبير، فليلحق ببصرى وحفير، وهي أرض الشام فكان الذين سكنوها غسان قال الكاهن: ومن كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيول العتاق، والكنوز والأرزاق، فليلحق بالعراق، وكان الذين لحقوا بالعراق منهم مالك بن فهم الأزدي وولده، ومن كان بالحيرة من غسان، على حسب ما قدمنا آنفا فيما سلف من هذا الكتاب.

وقال هشام بن الكلبي: وأما أبي فكان يقول: إنما نزل بالحيرة من غسان مع تبع بعد هذا بزمان.

ثم خرج عمرو بن عامر مزيقياء وولده، من مأرب، وخرج من كان بمأرب من الأزد يريدون أرضا تجمعهم يقيمون بها، ففارقهم وادعة بن عمرو بن عامر مزيقياء فسكنوا همدان، وتخلف مالك بن اليمان بن فهم بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد، وكان بعدهم بمأرب ملكا إلى أن كان من أمرهم ما كان في الهلاك، ثم ساروا حتى إذا كانوا بنجران تخلف أبو حارثة بن عمرو بن عامر مزيقياء ودعبل بن كعب بن أبي حارثة فانتسبوا في مذحج، قال أبو المنزر: ويقال: إن أبا حارثة هو جد الحارث بن كعب بن أبي حذيفة الذي بنجران، والله أعلم.

ثم سار عمرو بن عامر حتى إذا كان بين السراة ومكة أقام هنالك أناس من بني نصر من الأزد، وأقام معهم عمران بن عامر الكاهن أخو عمرو بن عامر مزيقياء، وعدي بن حارثة بن عمرو مزيقياء، وسار عمرو بن عامر وبنو مازن حتى نزلوا بين بلاد الأشعريين وعك على ماء يقال له غسان بين واديين، يقال لهما زبيد ورمع، وهما مما يلي صدورهما بين صعيد يقال له: صعيد الحسك، وبين الجبال التي تدفع به في زبيد ورمع، فأقاموا على غسان، وشربوا منه، فسموا غسان، وغلب على أسمائهم، فلا يعرفون إلا به، قال شاعرهم:

إما سألت فإنا معشرنجب ... الأزد نسبتنا والماء غسان

مخ ۲۴۴