مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لاتصبحينا فقال له الرجلان: من أنت؟ فقال: إن تنكراني فلن تنكرا حسبي، أنا عمرو بن عدي؛ فقاما إليه فلثماه، وغسلا رأسه، وقلما أظفاره، وقصرا من لمته، وألبساه من طرائف ثيابهما، وقالا: ما كنا لنهدي إلى الملك هدية هي أنفس عنده ولا هو عليها أحرص من ابن أخته، قدرده الله إليه، فخرجا به، حتى إذا وقفا على باب الملك بشراه به فسر به وصرفه إلى أمه ، وقال لهما: حكمكما، فقالا: حكمنا منادمتك ما بقيت وبقينا، قال: ذلك لكما، فهما ندمانا جذيمة المعروفان، وإياهما عني متمم بن نويرة اليربوعي في مرثيته لأخيه مالك حين قتله خالد بن الوليد بن المغيرة يوم البطاح:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وقال أبو خراش الهذلي:
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل
وإن أم عمرو عمدت إليه، فبعثت معه حفدة يقومون عليه في الحمام، حتى إذا خرج ألبسته من طرائف ثياب الملوك، وجعلت في عنقه طوقا من ذهب لنذر كان عليها، ثم أمرته بزيارة خالة، فالما رأى خاله لحيته والطوق في عنقه قال: شب عمرو عن الطوق، وأقام عمرو مع جذيمة خاله قد حمل عنه عامة أمره.
بين الزباء وجذيمة
وإن الزباء ابنة عمرو بن ظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر ملكة الشام والجزيرة من أهل بيت عاملة من العماليق كانوا في سليح، وقال بعضهم: بل كانت رومية، وكانت تتكلم بالعربية، مدائنها على شاطىء الفرات من الجانب الشرقي والغربي، وهي اليوم خراب، وكانت - فيما ذكر - قد سقفت الفرات وجعلت من فوقه أبنية رومية وجعلته أنقابا بين مدائنها، وكانت تغزو بالجنود قبائل فخطبها جذيمة الأبرش، فكتبت إليه: إني فاعلة، ومثلك من يرغب فيه، فإذا شئت فاشخص إلي، وكانت بكرا، فجمع عند ذلك جذيمة أصحابه، فاستشارهم، فأشاروا عليه بالمضي، وخاللهم قصير بن سعد تابع كان له من لخم، فأمره أن لا يفعل، ويكتب إليها، فإن كانت صادقة أقبلت إليك، وإلا لم تقع في حبالها، فعصاه وأطاعهم وسار حتى إذا كان ببقة - من دون هيت إلى الأنبار - جمعهم وشاورهم فأمروه بالشخوص إليها لما علموا من رأيه في ذلك، وقال القصير: تنصرف ودمك في وجهك،، فقال جذيمة ببقة قضي الأمر، فأرسلها مثلا، وقال قصير بن سعد حين رآه قد عزم، لا يطاع لقصير أمر، فأرسلها مثلا، وظعن جذيمة، حتى إذا عاين مدينتها - وهي بمكان دون الخانوقة - ونظر إلى الكتائب من دونها، فهاله ما رأى، فقال: أي قصير، ما الرأي؟ فقال قصير: إني تركت الرأي ببقة، فقال عند ذلك: أشر علي، فقال: إن لقيتك الكتائب فحيتك بتحية الملك وانصرفوا أمامك فالمرأة صادقة، وإن هم أخذوا بجنبيك ووقفوا دونك فالقوم منعطفون عليك فيما بينهم وبين جنوهم، فاركب العصا فإنها لا تحرك ولا تسبق، يعني فرسا كانت جنبت معه، فط ستقبله القوم وأحاطوا به ، فلم يري العصا، فعدد إليها قصير فركبها وحمل وانطلق، فالتفت جذيمة فإذا هو بالعصا عليها قصير أمام خيلهم حتى توارت به، فقال جذيمة: ما ضل من تجري به العصا، فأدخل على الزباء فاستقبلته وقد كشفت عن كبعثاتها أي عفلها وتنظفت باستها، وقالت: يا جذيمة، أي متاع عروس ترى؟ قال: أرى متاع امة غير ذات خفر، فقالت: أما والله ما ذاك من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكن شيمة ما أناس، ثم أجلسته على نطع، ودعت له بطست من عسجد، فقطعت رواهشه واستنزفته، حتى إذا ضعفت قواه ضرب بيده فقطرت قطرة من دمه على دعامة من زخام، وقد قيل لها: إنه إن وقع من دمه قطرة في غير طست طلب بدمه، فقالت: أي جذيمة؛لا تضيعن من دمك شيئا، فإني إنما بعثت إليك لأنه بلغني أن لدمك شفاء من الخبل، فقال جذيمة: وما يحزنك من دم أضاعه أهله إ؛ وفي ذلك يقول البعيث:
مخ ۲۰۶