مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وكان الملك قبل جذيمة أباه، وهو أول من ملك الحيرة، والله أعلم، وكان يقال له مالك بن فهم بن دوس بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان سار من اليمن مع ولد جفنة بن عمرو بن عامر مزيقياء، فسار بنو جفنة نحو الشام، وانفصل مالك نحو العراق فملك على مضر بن نزار اثنتي عشرة سنة، ثم ملك بعده ابنه جذيمة على ما ذكرنا.
عمرو بن عدي
ثم ملك بعد جذيمة ابن أخته عمر وبن عدي بن نصر بن ربيعه بن الحارث بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم، وهو أول من نزل من الملوك الحيرة واتخذها منزلا ودار ملك، وإليه تنسب الملوك النصرانية، وهم ملوك الحيرة؛فكان ملك عمرو عدي ابن أخت جذيمة مائة سنة.
قصة عمرة بن عدي
قال المسعودي: وقد ذكر غير واحد ممن عني بأخبار العرب وأي أمه ا أن جذيمة أول من ملك من قضاعة، وهو جذيمة بن مالك بن فهم التنوخي، وأنه قال ذات يوم لندمائه: لقد ذكر لي عن غلام من لخم، في أخواله من إياد، له ظرف وأدب، فلو بعثت إليه فوليته كأسي والقيام على رأسي لكان الرأي، قالوا: الرأي ما رأى الملك، فليبعث إليه، ففعل، فلما قدم عليه قال: من أنت؟ قال: أنا عدي بن نصر بن ربيعه، فولاه مجلسه، فعشقته قاش ابنة مالك أخت الملك، فقالت: يا عدي، إذا سقيت القوم فامزج لهم، وغدق للملك، فإذا أخذت الخمر منه فاخطبني منه فإنه يزوجك، فأشهد القوم إن فعل، ففعل الغلام ذلك وخطبها وزوجها به، فأشهد عليه، وانصرف الغلام إليها فأنبأها، فقالت: عرس بأهلك، ففعل، فلما أصبح غدا متضرجا بالخلوق، فقال !له جذيمة: ما هذه الآثار يا عدي؟. قال: اثار العرس، وقال: وأي عرس؟. قال: عرس رقاش فنخر وأكب على الأرض، ورفع علي جراميزه، وهرب وأسرع جذيمة في طلبه، فلم يجده، وقال بعضهم: بل قتله، وبعث إليها يقول:
حدثيني رقاش ل اتكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين.
أم بعبد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون؟
؛ فأجابته رقاش تقول:
إنت زوجتني وما كنت أدري ... وأتاني النساء للتزيين
ذاك من شربك المدامة صرفا ... وتماديك في الصبا والمجون
فنقلها جذيمة إليه، وحضنها في قصره، فاشتملت على حمل، وولدت غلاما فسمته عمرا، ووشحته، حتى إذا ترعرع حلته وعطرته وألبسته كسوة فاخرة، ثم أزارته خاله ، وألقيت عليه منه محبة ومودة حتى إذا خرج الملك في سنة مكلئة قد أكمأت، فبسط له في روضة، وخرج عمرو في غلمة يجتنون الكمأة، فكانوا إذا أصابوا كمأة طيبة أكلوها، وإذا أصابها عمرو خبأها، ثم أقبلوا يتعادون وعمرو يتقدمهم، ويقول:
هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده! إلى فيه
قصة نديمي جذيمة
فالتزمه جذيمة وحباه، ثم إن الجن استطارته، فضرب له جذيمة في الافاق زمانا، فلم يسمع له بخبر فكف عنه إذ أقبل رجلان يقال لأحدهما: مالك، وللآخر: عقيل، ابنا فالج، وهما يريدان الملك بهدية، فنزلا على ماء، ومعهما قينة يقال لها أم عمرو، فنصبت لهما قدرا، وأصلحت لهما طعاما، فبينما هما يأكلان إذ أقبل رجل أشعث أغبر الرأس قد طالت أظفاره وساءت حاله، حتى جلس مزجر الكلب، ومد يده، فناولته القينة طعاما، فأكل، فلم يغن عنه شيئا، فمد يده، فقالت القينة: إن تعط العبد كراعا طلب ذراعا، فأرسلتها مثلا، ثم ناولت صاحبيها من شرابها، وأوكت زقها، فقال عمرو بن عدى!:
علت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
مخ ۲۰۵