مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ذكر جماعة ذوي العناية بأخبار العالم أن الملك يؤثر من بعد نوح في عاد الأولى التي بأدت قبل سائر ممالك العرب كلها، ومصداق ذلك قوله عز وجل: وأنه أهلك عادأ الأولى فإنه يدل على تقدمهم، وأن هناك عادأ ثانية، وأخبر الله عن ملكهم، ونطق بشدة بطشهم، وما بنوه من الأبنية المشيدة التي تدعى على من الدهور العادئة، وقد أخبر الله تعالى عن قول نبيه هود - عليه السلام وخطابه إياهم: " أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم جبارين " .
عاد أول ملك بعد نوح
وعاد أول من ملك في الأرض في قول هذه الطائفة، بعد أن أهلك الله عز وجل الكفار من قوم نوح، وذلك لقوله تعالى: واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح، وزادكم في الخلق بسطة وذلك أن هؤلاء القوم كانوا في هيأت النخل طولا، وكانوا في اتصال الأعمار وطولها بحسب ذلك من القدر، وكانت نفوسهم قوية، وكبادهم غليظة، ولم يكن في الأرض أمة هي أشد بطشا وكثر آثارا وأقوى عقولا وأكثر أحلاما من قوم عاد، ولم يكن الهلك يعرض في أجس أمه م، لقوة آثار الطبيعة فيها، وما أوتوه من الزيادة في تمام البنية وكمال الهيئة على حسب ما أخبر الله عز وجل.
نسب عاد وعبادته وأولاده
وكان عاد رجلا جبارا عظيم الخلقة، وهو عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، وكان عاد يعبد القمر، وذكروا أنه رأى من صلبه أربعة آلاف ولد، وأنه تزوج ألف امرأة، وكانت بلادة متصلة باليمن، وهي بلاد الأحقاف، وبلاد صحاري هي وبلاد عمان إلى حضر موت على حسب ما قدمنا آنفا فيما سلف من هذا الكتاب وغيره من كتبنا.
وقد ذكر جماعة من الإخباريين - ممن عني بأخبار العرب - أن عادا لما توسط العمر واجتمع له الولد وولد الولد، ورأى البطن العاشر من ولده، وظهور الكثرة مع تشييد الملك واستقامة الأمر، غمر إحسانه الناس، وقرى الضيف، وأحواله منتظمة، والدنيا عليه مقبلة، فعاش ألف سنة ومائتي سنة ثم مات.
وكان الملك بعده في الأكبر من ولده، وهو شديد بن عاد وكان شديد بن عاد ملكه خمسمائة سنة وثمانين سنة، وقيل غير ذلك.
ثم ملك بعده أخوه شداد بن عاد وكان ملكه تسعمائة سنة، ويقال: إنه احتوى على سائر ممالك العالم، وهو الذي بنى مدينة أرم ذات العماد، على حسب ما قدمنا فيما سلف من كتبنا عند إخبارنا عن هذه المدينة وتنازع الناس في كيفتها وماهيتها وفي أي بلاد هي.
وهذه عاد الثانية التي ذكرها الله تعالى فقال: " لم تر كيف فعل ربك بعاد أرم ذات العماد " وإلى هذه الأمة انتهى البطش، ولشداد بن عاد مسير في الأرض، وطواف في البلاد وبأس عظيم في ممالك الهند وغيرها من ممالك الشرق والغرب، وحروب كثيرة، أعرضنا عن ذكرها لشرط الاختصار، ومعولنا في ذلك على ما بسطناه من أخبارهم في كتاب أخبار الزمان: من الأمم الماضية، والأجيال الخالية، والممالك الداثرة وسنورد فيما يود من هذا الكتاب - عند ذكرنا تفرق الناس ببابل وتشعب الأنساب، وما قالوا في ذلك من الأشعار - جملا من أخبار عاد ونبيها هود، فأما تنازع الناس ممن سلف وخلف في العلة التي لها عظمت أجسادهم وطالت أعمارهم فقد أتينا على ذكر ذلك في كتابنا المترجم ب الكتاب الرؤوس السبعة من السياسة الملوكية وكذلك في كتابنا المترجم ب - كتاب الزلف.
وذكرنا العلة التي لها من أجلها عدم كون السباع والجمال بأرض الأندلس، وما يتكون في هذه الأرض من الجواهر في نباتها ومعادنها، وما في أرض جليقية، وإلى هذه الأرض أضيفت مملكة الجلالقة المقدم ذكرها فيما سلف من هذا الكتاب، وهم أشد الأمم على أهل الأندلس، وأعظمهم بطشا ممن جاورهم، ثم يليهم في الناس أمة عظيمة الملك يقال لها الوشكنش، على حسب ما قدمنا من ذكرهم فيما سلف من هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا مما تقدم تأليف هذا الكتاب.
ذكر ثمود وملوكها وصالح نبيها
مساكن ثمود
مخ ۱۸۴